يكتسب أمن الطاقة أهمية قصوى لتقاطعه مع كثير من الأنواع الأمنية الأخرى من جهة، والحاجة الاستهلاكية والتنموية من جهة أخرى، وذلك يفرض تحديات كبيرة أمام المخططين الاقتصاديين والمواطنين على السواء، إذ اننا نواجه هدرا ضخما للطاقة وسوء استخدام مفرطا يهدر حقوق الأجيال في الطاقة وعوائدها الاقتصادية والاستثمارية المجزية، والأسوأ الدخول في نفق المخاطرة بفقدانها أو رفع كلفة استهلاكها وانتاجها.
وحين ننظر الى التقارير المتخصصة التي تبحث في الطاقة نشعر برعب حقيقي من فكرة الهدر وأضرارها على كافة المستويات، وحديثا قدر مركز كفاءة الطاقة السعودي الهدر الحاصل في الطاقة الكهربائية سنويا في المملكة بنحو 45% من إجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة، وأوضح أن معدل قيمة فواتير الاستهلاك للمنزل سنويا نحو 5000 ريال، حيث إن أجهزة التكييف بمختلف أنواعها تستهلك أكثر من نصف الطاقة الكهربائية المنتجة في المملكة.
وبحسب تلك النسبة فإننا نلقي بنصف طاقتنا الكهربائية في النفايات دون مبررات أو مسوغات استهلاكية منطقية، ما يعني الحاجة الى مراجعات ووعي بخطورة ذلك على أمن الطاقة واختراقه السهل من خلال الجهل بقيمة ما لدينا من طاقة ينبغي أن نوظفها لصالحنا، وأن نتعامل معها دون إفراط أو تفريط، لأننا مع استمرار هذا الوضع كأننا نمارس انتحارا بطيئا وتدميرا وتخريبا متعمدا لأحد أهم محاور الحياة المعاصرة.
ولننظر الى جانب آخر من تقرير مركز كفاءة الطاقة السعودي، يؤكد فيه أن الهدر الحاصل في الطاقة الكهربائية سيكلف المملكة وحدها 36 مليار دولار سنويا خلال العقد المقبل، وذلك استنادا إلى الدراسات التي تقول إن قيمة الطاقة الكهربائية المهدورة في دول مجلس التعاون تبلغ 50 مليار دولار سنويا، وهذا المبلغ ضخم كان بالإمكان توجيهه وتوظيفه في خدمات أخرى أو ذات صلة بتوفير الطاقة وضمان تزويدنا بها بأعلى التقنيات والإمكانيات، ونحن بذلك نضيف عبئا جديدا على الدولة واقتصادنا الوطني ولسبب بسيط للغاية، وهو أننا لا نحسن التعامل المثالي مع ما نحصل عليه من خدمات، وكأننا نأخذ تلك المليارات بأيدينا ونلقيها في مكب النفايات.
المركز مؤسسة خدمية واستشارية وعلمية تحتاج أن نتعاطى مع تقاريرها ودراساتها بموضوعية وجدية، وقد أكد كذلك أن هناك هدرا خطيرا، واستهتارا في استهلاك الطاقة، وإذا استمر الهدر بهذه الصورة، فهناك الكثير من الخسائر الناجمة عن هذا الهدر، منها زيادة تكاليف الفواتير لعموم مشتركي القطاع السكني بسبب زيادة الاستهلاك، وصعوبة إيصال الخدمة لمشتركين جدد هم في أمس الحاجة إليها، وتدني موثوقية الخدمة لاحتمال انقطاعها بسبب الإجهاد على المنظومة الكهربائية وزيادة الأحمال خاصة وقت الذروة، وزيادة في استهلاك الوقود، ما يؤثر سلبا على البيئة مع زيادة انبعاث الغازات السامة نتيجة احتراق الوقود، وهدر كميات من الطاقة يمكن توفيرها والاستفادة منها.
مع هذه الحقائق لا بد من تطوير أدوات الوعي بأمن الطاقة وتعزيز حملات الترشيد واستخدام أفضل التقنيات التي تدعم جهود الترشيد، لأن الوضع بهذه الصورة كارثي ولا بد من تقويمه ورفع معدلات الوعي الاجتماعي بمقتضيات أمن الطاقة، وإعادة النظر في الأساليب والوسائل المتبعة لأنها على ما يبدو تفتقد الفعالية والتأثير المطلوب في تعامل المستهلكين بمختلف شرائحهم مع الطاقة.