نحن في زمن متسارع ولا وجود للرتابة والروتين خصوصا عند المتلقي, أقرب مثال ما نعيشه الآن مع الفضاء المفتوح على مصراعيه فلا مكان للبيروقراطية, نضرب مثلا بما يحدث في الفضاء الاعلامي، وخير دليل ما نجد من تفاوت كبير في عدد المشاهدين والاقبال ايضا من قبل المعلنين بين القنوات الرسمية الرتيبة في عالمنا العربي والقنوات الخاصة المتقدة حيوية مع تحفظنا على بعض شطحاتهم, قبل فترة تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف ما قاله إمام وخطيب مسجد جامع أبو عوف بينبع البحر في بداية خطبته حول الرياضة كمدخل للخطبة عندما قال «العالمية صعبة قوية», سؤال بسيط: هل في الخطبة ما يستدعي كل تلك الزوبعات, أم ان الخطيب أجاد وأبدع؟
ربما يدفع الثمن ذلك الخطيب, لأننا للأسف الشديد نعاني من داء الانتقائية في النصوص، ونأخذ ما يتماشى مع رغباتنا فقط، لذا تجد البعض يجتز او يغتال ما يخالف الرغبات والمصالح الشخصية في اي موضوع، ومن المفروض ان ينظر على ما قاله الخطيب حول العالمية على انه نوع مبتكر من الاساليب الخلاقة ويحسب له لا عليه؛ لأنه أراد ان يشد الانتباه ونجح فعلا، والدليل انه استطاع ان يجذب كل من كان في داخل المسجد وخارجه، بل ان الحي والمدينة والمسجد والخطيب نفسه بعد خطبته أصبحوا حديث المجتمع.
الجزء الثاني من الخطبة لا يقل روعة وأهمية عن الخطبة الاولى، حيث تطرق إلى أحداث قرية الدالوة في الأحساء التي رسمت اجمل لوحة عندما جسدت الوحدة بين الوطن والمواطن بكل اطيافهم ومذاهبهم، وكانت صدمة عنيفة لمن اقترفها وخطط لها، ركز الخطيب على نبذ العنف بشتى صوره, نعود «العالمية صعبة قوية»، بصراحة من ينظر إلى الخطبة من زاوية ضيقة, سوف يكبر الموضوع وربما يدخل الامام في خانة الابتداع والبدعة, ومن ينظر إلى ما قاله الامام من الجانب الايجابي, الجانب الفسيح بكل ما تحمله الكلمة من معنى سينظر لهذا الخطيب ومن هم على شاكلته من الخطباء على انهم القلب النابض في المجتمع، وأن المصلين من أهل الحي وخارجه يتوقون إلى يوم الجمعة من كل اسبوع للخطبة؛ لأنهم على ثقة أن هناك موعظة تهز الوجدان وتحرك القلوب والأبدان.
نحتاج المبدعين في شتى المجالات، نريد ان نرى معلما يبدع في مدرسته, الاستاذ الجامعي في جامعته حتى يكوِن علاقة ود وثقة متبادلة بين الطالب والمعلم، مما سينتج عنه الرغبة عند الطالب في التعلم وليس العكس, نجد طلابنا وهم عائدون من الاجازات الطويلة يعدون الايام والليالي وكم تبقى على الاجازة القادمة!, نحتاج رئيسا وإداريا يملك قدرات خلاقة ويعي جيدا اهمية الابداع والاستثمار في الموارد البشرية كي يجعل من مكان العمل مكانا للراحة الرنفسية، والانتاجية نتيجة الانسجام بين فريق العمل وهناك عشرات الطرق لمن أراد الخروج من الروتين الى عالم الإدارة والإرادة.
نحتاج من الأب والأم أن يجيدوا الابتكار في احتواء الابناء، بحيث يكون همهم وهدفهم الرئيسي التحصين والمناعة وليس المنع والحرمان, ومن ينجح في تغليب المناعة على المنع عند الابناء سوف لن يندم عندما يغيب عنهم لأنه زرع القيم والمبادئ وأصبح عندهم رقابة ذاتية, نحتاج طبيبا مبتكرا في تعامله مع المرضى ونحتاج مسئولا لديه القدرة على الابتكار وقتل البيروقراطية والسرعة في اتخاذ القرار.
الابداع نبتة, فكما تحتاج النبتة للتربة الصالحة والماء والمناخ المناسب حتى تنبت, كذلك الإبداع يحتاج للبيئة والماء والهواء, فهل تربتكم صالحة أو صبخة!؟