في معرض سخريته بآراء أعضاء الكونغرس المطالبين بمحاربة الهاكرز، الذين وصفوهم بالمخربين، قال جون ستيورات في برنامجه الشهير : انتبهوا إنهم خبراء وما هم بمخربين. حيث كان الحديث عن أولئك الذين يمتلكون رؤية حقوقية لقواعد النشر والوصول للمعلومة وإيصالها. وليس عن تلك الفئة من اللصوص الذين يستخدمون ذكاءهم وخبرتهم لاختراق برامج الحماية البنكية وسرقة بطاقة الإئتمان الخاصة بالناس. أو تدمير المحتوى الإلكتروني للشركات والمؤسسات لأغراض إجرامية.
الدول المتقدمة التي ابتكرت الإنترنت تعرف جيداً أن هذا المكتسب البشري العظيم لن يعمل بكامل طاقته على محوري المعلومة والاتصال إلا بوجود قوانين وتشريعات تنظم عملية التفاعل. شريطة ألاّ تكون تلك اللوائح مفروضة من قبل مفاعيل السلطة السياسية والاقتصادية التي تحاول أن تمارس أقصى درجات التقنين لأسباب أمنية أو من أجل ابتزاز المستخدمين وفرض رسوم على معلومات يفترض أن تكون مجانية.
وهذا هو بالتحديد، ما دفع بعض الهاكرز إلى تشكيل فرق ذات طابع حقوقي مدني، وتقني فني، لاختراق ما يتم حجبه دون وجه حق. كما حدث في مسألة الوصول العادل إلى العلوم وقانون بحوث التكنولوجيا. التي يُصطلح عليها اختصارا باسم ( FASTR ) وهو مشروع قانون ينظّم البحوث الممولة ليجعلها مشاعة. وبرنامج المشاع الإبداعي Creative Commons الذي يهدف إلى إتاحة الأعمال الإبداعية للجميع، وجعلها مشاعة أيضاً، لتحريرها من صرامة قوانين الملكية الفكرية. وكذلك حملة (Demand Progress ) التي أسست برنامجها للنضال ضد الرقابة على الإنترنت.
وقد تصدت تلك الجماعات المنتظمة في تيارات مدنية لمشروع قانون وقف القرصنة على الانترنت Protect IP Act أي قانون حماية الملكية الفكرية المعروف باسم PIPA، بوصفه قانوناً يحد من حرية استخدام الإنترنت. على اعتبار أن النتاج الإنساني من العلوم والمعارف والفنون، صار بيد الشركات المتنفذة، التي تحتكر حق الإنسان في المعرفة، وتفرض رسوماً على المستخدم دون وجه حق. وقد بلغت تلك المجابهة ذروتها ما بين من يوصفون بالمخربين ومفاعيل السلطة في أمريكا، عندما حاول بعض المشرّعين تمرير مشروع قانون الكونغرس الأمريكي لِلَجْم الانترنت الذي عُرف حينها باسم SOPA ) Stop Online Piracy Act ) أي المحتوى والمعرفة مجاناً.
كل ذلك، أدى إلى بروز حركة الوصول المفتوح، التي تنتصر لمستخدمي الإنترنت وتطالب بإشاعة المعلومة وتسهيل الوصول إليها وتحريرها. وهي حركة ملهمة بكل تداعياتها وتمثلاتها. إلا أن المؤسف، هو عدم تأثُّر الهاكرز في مجتمعاتنا بتلك الروح والأخلاقيات. حيث يستخدم معظم هؤلاء المخربين ذكاءهم وخبراتهم في إيذاء الآخرين. بالسطو على الحسابات الشخصية في المواقع الاجتماعية. ونشر خصوصياتهم على الملأ.
يحدث هذا بسبب إحساس الهاكر بالقوة الفائضة. وبسبب قناعته بأنه يؤدي خدمة لجهة ما، تنكيلاً بشخص أو جماعة. وهو بالتأكيد يستجيب لفكرة اختراق حسابات الآمنين وترويعهم، لأنه في مأمن من العقاب، بالإضافة إلى كونه لا يحمل في داخله ذلك الضمير الكوني، الذي يدفع باتجاه جعل الإنترنت وسيلة تواصل إنساني مفتوحة وآمنة ومثمرة.
فهو لا يعرف من شخصية المتفوق إلكترونياً إلا ذلك الجانب الشرير. وبالتالي فهو لا ينتمي إلى ما يُعرف بالدماغ العالمي للهاكرز، الذين يدافعون بكل الطرق عن حرية الوصول. وأحياناً يدفعون حياتهم ثمناً لتلك النضالات.
كل ذلك، يفسر وجود شخصيات أسطورية عالمية في هذا المجال تظهر بصورة علنية في وسائل الإعلام العالمية لتدافع عن حق نتمتع به دون أن ندري. فيما يأخذنا الهاكرز في مجتمعاتنا إلى متاهات التلصُّص ودناءات النبش في أعراض الناس تحت ذريعة فضح المخالفين. حيث تتشكل جماعات لتدّمر موقعاً أو لتنسف سمعة شخصية معروفة. تحت شعارات واهية، وغزوات إلكترونية استعراضية، لا تمتّ إلى الأخلاق بصلة. فهذه الجماعات الخائبة لا تفرق ما بين الانتماء إلى حركة إنترنتية نضالية كحركة الوصول وبين الانتماء إلى عصابة.