كيف نتحول إلى دولة المواطنة، بدون المرجعيات المناطقية أو القبلية أو الطائفية، أو الطبقية؟
ما الآليات والأدوات التي تجعل الناس تتعامل على (أسس موضوعية) في حياتها اليومية؟
ما العوامل التي تساعد على صفاء القلوب ونزع الحسد، وبقاء معظم تفاعلات الناس في ساحة التعامل الأخلاقي والإنساني؟ أسئلة كبرى كما تلاحظون، لموضوعات حيوية وحساسة، ولكن ضروري الوقوف عندها باستمرار وعدم إهمالها أو الملل منها، والبحث فيها نحتاجه الآن أكثر مما مضى. الآن همنا الأول، الذي أصبح واجبا وطنيا لا يقبل المساومة، هو: تقوية الجبهة الداخلية، وإحدى الآليات لذلك هي العمل على تحقيق هدف استراتيجي أي التحول إلى دولة المواطنة. تحقيق هذا الهدف ضروري لبناء الجبهة الداخلية. بفضل الله قطعنا شوطا مهما لتحقيق هذا الهدف، ولا نجزم أننا حققنا كل ما نتطلع إليه. المؤسس الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، قاد أجدادنا من كل المناطق لتحقيق الوحدة، وفي مشواره المضني لتوحيد بلادنا وضع في ثوابت الدولة إسقاط المرجعيات في أمور عديدة، في اختياراته لقيادات الدولة، وفي تعامله مع المواطنين، في تعامله مع خصومه، طبق مبدأ العفو والصفح مع الجميع، فمن حاربوه وحاربهم أصبحوا حلفاءه، وكان أقرب حراسه وخدمه ممن تحارب مَعَهُم. هذه البنية المرجعية الراعية للإجماع في النظام السياسي.. كيف نستثمرها ونطورها في مجالات عديدة في حياتنا؟ في تعاملاتنا في الأماكن العامة، وفي تطبيق المسؤولين واجباتهم في مكان عملهم التي فيها احتكاك مع الناس. إحدى الآليات لتكريس مفهوم المواطنة بين الناس ومساعدتهم لإشاعة روح السلام الاجتماعي هي في التوسع في تطبيقات تقنية المعلومات التي تيسر على الناس الحصول على الخدمات، وتمكن المسؤول والموظف من تحقيق مبدأ العدالة والفاعلية في تقديم الخدمة للمستفيدين. والأول: كيف تخدمنا التقنية لنصل إلى ما نسميه (الضمير المرتاح). نحتاج التوسع في الإدراك والاستثمار للإجابة عن هذا السؤال. الآن لدينا أمثلة حية ناجحة لتوسع الجهات الحكومية في استخدام تقنية المعلومات. لا نرغب تحديد جهة بعينها حتى لا نقع في الانتقائية وبالتالي الظلم لجهود المخلصين، المهم هو الثناء على إطلاق المبدأ، وتكريسه ليكون في ثوابت الإنجاز الحكومي، فالأجهزة التي انطلقت بقوة حققت الراحة للناس وسهلت عليهم أمور حياتهم، والمهم في كل هذا أنها رفعت الإحساس (بالكرامة الإنسانية)، وهذا هو الإنجاز الكبير الذي تحققه الدولة لمواطنيها. عندما يذهب أحدنا إلى مرفق حكومي لطلب خدمة عامة، ويقول له الموظف: إذا تكرمت رقم الهوية الوطنية، ولا يسأله عما سواها، هنا يقول له فعليا: أنا أتعامل معك بصفتك المواطن (X) في النظام الذي أمامي، أنا أخدمك كمواطن سعودي. هذا هو الرقي في التعامل وهو المسار للتحول إلى المجتمع (الحضاري) الذي يرقى بالإنسان إلى المرتبة الأولى الأصلية التي خلقها الله وارتضاها لعباده. التوسع في تطبيق الخدمات الإلكترونية، قبل أن يكون من ضرورات الكفاءة الإنتاجية، هو ضرورة إنسانية ووطنية. (التقنية عادلة ومحايدة) في التعامل مع الناس، تشعرهم بالمساواة والعدل بينهم، وتعزز التصور الإيجابي عن الذات وعن الآخر، وتقلل الاحتكاك والتفاعل غير الضروري بين الناس في الأماكن العامة، وتساعد على تهذيب السلوك وترقيق القلوب ورقي العبارة والكلمة، فما يخرج من القلب يصل إلى القلب. نتمنى أن يعطي المسؤولون في الدولة، كل في حدود واجباته، هذا الأمر ما يستحقه من عناية واهتمام، إنه مسار ضروري لتكريس دولة المؤسسات ويساعد على تعميق الإحساس بالمواطنة، ومن واجبات بناء الجبهة الداخلية، وفوق هذا هو وفاء لموروث الملك عبدالعزيز وللرجال الذين شاركوه مهمة التأسيس والتوحيد لبلادنا، لقد كانت تضحياتهم كبيرة، ولم يدركوا من حلاوة الأيام إلا القليل، قدموا لنا على طبق من ذهب وطنا موحدا، فهل نحافظ عليه بتوسيع المبادرات الوطنية التي تعزز قيم المواطنة، وتحولنا إلى المواطن.. (X).