يقيم الإنسان نفسه من خلال تقييم الآخرين له، فإذا كان تقييمهم له ايجابيا فهو سيتصرف وفقا لهذه الصورة، وإن كان تقييمهم له سلبيا فإنه سيتصرف أيضا وفقا لهذا الانطباع الذهني عنه لدى الآخرين.. قليلون هم من يحاول تغيير أو تحسين الصورة السلبية المتواترة عنه، والسبب أن الانطباعات والصور الذهنية يصعب تغييرها عند الآخرين عندما تترسخ، وهذه القاعدة لا تنطبق على الأفراد فقط إنما تشمل المؤسسات والمنظمات، فالأفراد عنما يتعرضون لموقف سلبي منها يبنون صورة ذهنية عنها لا يمكن تغييرها بسهولة.. هذا ما تقوله نظرية "التفاعلية الرمزية" أحد أشهر النظريات الكبرى التي فسرت بعض جوانب التفاعلات والعلاقات الاجتماعية التي تحدث بين الأفراد في حياتهم اليومية.. فعلى سبيل المثال، تجد أن وزارة التجارة حاليا قد رسمت انطباعا ذهنيا ايجابيا عند العامة، ووفقا لثناء الناس على جهودها، فإن وزيرها يتصرف بجهد وثقة وفقا لنمط الصورة الذهنية المأخوذة عنه.
في المقابل، نجد أن بعض المؤسسات والهيئات، سواء المعنية منها بمكافحة الفساد أو الأخرى المعنية بالإعلام، نجدها في تذبذب بين السوء والطيب، كما أن أي قرار أو تصريح يصدر منها سواء كان عقلانيا وفعالا أو منافيا للتوقعات هو في ميزان نظرة الناس (سيان).. وهي وفقا لهذه الصورة الذهنية عنها عند الآخرين تمارس تخبطا وتحجم عن التغيير الفعال والجذري، نتيجة فقد الثقة والخوف من النقد، كما أنها انشغلت بالدفاع عن نفسها في كل مناسبة، بدلا من العمل على تحسين طابعها وظروفها العملية، رغم امتلاكها لكل عناصر التحسين والتطوير سواء على مستوى الامكانيات أو السلطة..
طبعا نحن وفقا لهذا المنظور، لا نلوم الناس على انطباعاتها الأولى، والتي عادة ما تكون مترسخة يصعب تغييرها؛ لأنها تكاد أن تكون "سنة نفسية" عند البشر بشكل عام، لكن ما نحتاجه هو قدر من الموضوعية يفسح المجال أمام التغيير ويعطي فرصة للمسؤولين المترددين والتي عانت قطاعاتهم على مر السنين من نقد مستمر، وعين لا ترى إلا السلبيات.. وهذه خطوة مهمة لمرحلة أهم يكون فيها المسؤول أمام خيارين إما الجرأة في قرارات التطوير والتغيير، وإلا الإزاحة. فمشكلتنا تكمن في بعض المسؤولين لديهم ثقة عالية في حديثهم أمام الكاميرات والأضواء الإعلامية، لكنهم يعانون أحيانا انعداما في الثقة أمام قرارات حاسمة وفاصلة في عملية التغيير، وهذا ليس نابعا بصفة دائمة من إفلاسهم الفكري والمهني، بقدر ما هو الخوف من قرارات كبيرة تلفت النظر لهم فيواجهون بالنقد، ومن ثم يتهدد بقاؤهم في كراسي السلطة. وأخيرا، في مناسبة الحديث عن نظرية التفاعلية الرمزية وتفسيرها لقضية السلوك المترتب عن الانطباعات، لن أنسى ذكر قضية المرأة في هذا الجانب، فكثيرون هم من يرددون ردحا من الزمن أفكارا تؤكد على أن المرأة مستهدفة، وفي حالة خطر مستمر من كائن اسمه الرجل، وأنها عاجزة عن إدارة شؤونها أيضا بدون الاستعانة بهذا الرجل، وغيرها مما يدور في ذات المحور، مما أنتج عنه بالفعل نساء عاجزات عن إدارة أبسط أمور حياتهن خارج المنزل بدون الرجل، والذي بمقتضاه حمل الرجل أعباء تفوق طاقته. لماذا لا نحاول الخوض في تجربة أن نبني تصورا ايجابيا عن الأشخاص المحيطين بنا، ونحاول أن نعزز هذا الانطباع بإظهاره لهم حتى نجعلهم يتصرفون بمقتضى هذه الفكرة، نحاول ذلك حتى وإن بدا عليهم في البدايات سلوكيات سلبية.