صدق الله العظيم في قوله: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} الروم41.
وها هي صحف الخليج قاطبة، تنقل لنا أخبار التلوث البيئي في مياه الخليج العربي ونفوق كميات مذهلة من الأسماك. وما ذلك إلا بسبب هذه البوارج العائمة على سطحه، ونفث ملوثاتها في مياهه النقية. إن الخليج العربي كنـز من كنوز رب العالمين فيه الخيرات. وأُمة الكفر كلها مِلَّةٌ واحدة، تنظر إلى هذه البقعة نظرة الثعلب إلى عنقود العنب الحلو الناضج. لذلك تسعى حثيثاً إلى نهب خيراته وتخريب بيئته وتدمير شبابه ومستقبله.. تخرب البيئة بالتلوث المائي والهوائي والمغناطيسي، وتدمير شبابه بالمخدرات واللصوصية وتزيين الإرهاب في أعينهم. فنحن كما قال والدنا الكريم عبدالله بن عبدالعزيز: نحن أمة مستهدفة. لقد تكالبت قوى الكفر والضلال وتحالفت على أن تقضي علينا لا من خارجنا بل من داخلنا. فلوثت الأجواء والمياه فصارت أمراضنا داخلية ليس لها علاج، وإن وجدنا لها علاجاً وجدناه في بلدانهم، ولا ينجح منها إلا القليل القليل. نحن أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اجتمعت علينا أمم الكفر والضلال اجتماع الأَكَلَةِ على قصعتها كما أُثر ذلك عن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. كان لحم الدجاج في عهود مضت دواء المريض، وكان السمك منذ عقود سلفت، وقاية السليم مع لذة نادرة لا يجدها إلا فيه.. وأما في هذا العصر المترهل بالكماليات، فقد تغير طعم كل هذه المأكولات، وكذلك طعم لحم الإبل ولحم الغنم وحتى لحم الغزلان، بسبب التلوث البيئي في الماء والغذاء والهواء. فبدلاً من أن يكون علاجنا ودواؤنا في غذائنا.. انعكست القضية وصار داؤنا وعناؤنا في غذائنا.
هذا هو الخليج العربي الصافي النقي الذي يُضرب به المثل في طعم سمكه، صار- أعز الله الجميع- مرمىً للنفايات البترولية، ومكباً لمخلفات السفن العابرة للقارات، حتى ارتفع صوت سمكه، وصار يئن من ضغط التلوث، فاختنق الكثير من السمك ومات حتف أنفه ورمت به الأمواج على الساحل.. أطنان من الأسماك النافقة امتلأت بها السواحل من الجبيل وما بعد الجبيل من الشمال والعقير وما بعد العقير من الجنوب.. شيء مؤسف ومُحزن بل مُبكٍ، أن نرى جزءاً من ثروتنا البحرية يتلاشى بهذه الطريقة.
يقول المهندس محمد الفقي في كتابه عن البيئة وتلوثها: (يُعرف تلوث الماء بأنه إحداث تلف أو إفساد لنوعية المياه، مما يؤدي إلى وقوع خلل في نظامها الإيكولوجي بصورة أو بأخرى، بما يقلل من قدرتها على أداء دورها الطبيعي، بل إنها تصبح ضارة عند استخدامها، أو تفقد الكثير من قيمتها الاقتصادية، وبصفة خاصة مواردها السمكية وغيرها من الأحياء المائية). فأتساءل من خلال هذا المنبر الإعلامي، وأقول: أليس لخليجنا العربي، وعليه من الدول ست دول عربية، أليس عليه، حراسة تحميه من التلوث، وتعاقب من يتعدى عليه بهذه الأضرار المتعدية منه إلى البشر من حوله؟؟!!
لقد قرأت التقرير البيئي الذي قام بكتابته الأستاذ مشعل العنزي، ونشره في هذه الجريدة عدد (15124) وكان لقاءً صحفياً تميز بالشفافية والوضوح مع الأستاذ طلال الرشيد رئيس لجنة البيئة في غرفة الشرقية، حيث قال الأستاذ طلال ما ملخصه: أضحت مياه الخليج العربي بعد حربي الخليج الأولى والثانية منطقة ملوثة بيئياً، وخاصة المناطق الشاطئية السعودية المتاخمة لمنطقة الأحداث، كالخفجي ومنيفة والجبيل، إذ انسكبت كمية ضخمة من النفط تدفقت في مياه الخليج بجانب حرق الكثير من الآبار. وأضاف سعادته بقوله: إن ثروتنا تهدد حياتنا، إن هذه الأحداث جعلت المنطقة بشكل عام تعاني تدهوراً خطيراً في نوعية الهواء والتربة والموارد البحرية لعدة سنوات، مشيراً إلى أن ذلك أثّر سلباً على الحياة البرية والبحرية ومناطق صيد الأسماك بالخليج وعلى البيئات كجزر الشعاب المرجانية. هذه صرخة من مسؤول نرجو ألا تكون في واد..