لا شك أن الأعمار بيد الله، وأن الحياة والموت هما من السنن الكونية لكل حي، ولكن في مقابل ذلك علينا واجب ببذل الأسباب تحقيقا لمبدأ (اعقلها وتوكل). وهناك عدة تصرفات نقوم بها - إما جهلا أو تهاونا - قد تؤدي إلى زيادة نسبة الوفيات. والأرقام والحقائق تؤكد أننا نتحمل جزءا كبيرا من المشكلة. واسمحوا لي أن أعرض عليكم سببين من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى زيادة نسبة الوفيات في مجتمعنا، وهما قاتلان رئيسيان، ويشنان الحرب علينا علنا!!، إنهما مرض السكري وحوادث الطرق.
وأما لماذا اخترتهما بالذات؟ فلأن لكل منهما يوما عالميا، ومن المصادفة العجيبة أنهما يقعان في شهر واحد! وهو شهر نوفمبر الحالي، وبحسب الأرقام هما شديدا الخطورة على مجتمعنا، وأتمنى من القارئ الكريم أن يركز أكثر على الأرقام التي سوف أذكرها لأنها مخيفة وكارثية.
بالنسبة لمرض السكري، فإن يوم 14 من شهر نوفمبر هو اليوم العالمي له. والإحصائيات تشير إلى أن عدد الإصابات تتراوح ما بين 25 إلى 30 بالمائة من عدد السكان في السعودية، وهذه نسبة عالية ومهولة، ولا نريد هنا أن نلقي اللوم على القطاع العام أو الخاص؛ لأن المسألة هي مفهوم شخصي صحي، ونحن مسؤولون عن أنفسنا وأسرنا.
إن المسبب الرئيسي لذلك هو طريقة حياتنا في الأكل والشرب والحركة. إن الانقضاض وبشراهة على المأكولات والوجبات الـسريعة، والإكثار من المشروبات الغازية، والأكل المشبع بالدهون الحيوانية، وغيرها من العادات الغذائية المضرة، كل تلك قضايا شخصية تحتاج إلى وقفة صريحة وجادة مع أنفسنا.
ولا بد أن نأخذ المسألة بجدية أكثر؛ لأن ثلث السكان تقريبا يعاني من مرض السكري، ونحن نحتل - وبدون فخر - المركز الثالث عالميا في سرعة الانتشار. أما من ناحية عدد الوفيات فإنها تصل إلى 42 حالة وفاة يوميا (ثلاث حالات وفاة كل ساعتين)، وأما عدد حالات الوفيات في السنة فهو 15300. فهل نحن في حالة حرب لنفقد هذا العدد الكبير من البشر؟!
وأما القاتل الثاني، فالعالم اختار أن يحيي ذكره في الثالث من شهر نوفمبر، وقد سمي (باليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا حركة المرور على الطرق). ونحن للأسف لا نحتاج إلى التذكير به في كل عام؛ لأننا نعيشه ونتذكره كل يوم وليلة، وذلك بسبب الارتفاع الكبير في عدد الضحايا والوفيات، حوادث تحصد شبابنا حصدا؛ حيث إنهم يمثلون 75% من نسبة الحوادث والوفيات. إننا نفقد إنسانا في كل 75 دقيقة، وبمعدل 20 حالة وفاة يوميا، و7150 حالة وفاة كل سنة، وللأسف الشديد نحن نتصدر العالمين العربي والدولي.
نعم القوانين الصارمة وتطبيقها من الحلول الرئيسية، ولكن هناك أيضا حلولا أخرى قوية المفعول، منها أن مفهوم غرس السلامة والصحة يبدأ بنا، وهو واجب على كل أب وأم، ومعلم ومعلمة، وهو ضرورة دينية ووطنية وأخلاقية وإنسانية، ويجب أن يعمم مفهوم غرس السلامة ويدرس في كل المدارس والجامعات ولجميع الفئات العمرية بلا استثناء، وأن تكون له مقررات ومناهج رسمية! فالصحة والسلامة ليست أقل شأنا من العلوم الأخرى. إن زراعة المفاهيم في العقول الباطنية للأطفال والشباب قد تستغرق بعضا من الوقت، ولكن سيبقى أثرها ونفعها طويلا للأجيال القادمة.
وختاما، نحن نتصدر العالم ليس بعدد الاكتشافات العلمية ولا الاختراعات ولا من حيث عدد تأليف الكتب، بل نحن من أوائل المتصدرين بمرض السكري وحوادث الطرق، ونفقد بسببهما سنويا أكثر من 22000 ألف إنسان، كأننا في ساحة حرب، ألم يأن لنا أن نقف صفا واحدا ضدهما؟!