تتعالى الأصوات عن أسباب حادثة الأحساء وتنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي تحاليل الحادثة والأسباب التي أدت لهذه الفعلة الشنيعة. ثم ما تلبث قليلاً حتى تقرأ في نفس تلك المواقع عن ماذا يجب فعله للتصدي لهذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا وعن مسؤولية الفرد ومسؤوليتنا تجاه وطننا. وقد يكون الطابع العام المنتشر في المواقع الاجتماعية وكذلك الطابع الذي صدر من أهالي المنطقة الشرقية أنهم ضد الطائفية وانهم أبناء هذا الوطن مهما اختلفت اتجاهاتهم وإن أي فتنة قد يسول لأعداء الوطن عملها لن تجد لها طريقاً نافذاً بين أبنائه وإن أسود حماته لهم بالمرصاد.
لكن النقطة المهمة التي أريد أن أُشير إليها في مقالي هذا هي ليس فقط رفع شعار الانتماء الوطني فقد طرح الإعلام المحلي الكثير والذي ينعكس على الإرادة الحقيقية لأبناء الأحساء بأن انتماءهم هو فقط لهذا الوطن وإنهم ضد أي امر يسيء لبلدنا الحبيب. إن ما أريد أن قوله هو أن معرفة الأسباب التي أدت إلى إطلاق النار في الأحساء لا تكمن فقط في أن يحصر في مقالات وشعارات وتخامين من هنا وهناك.
إن من طبيعة علم المعرفة التوصل الى النتائج والتي تسمى بالأثر وفي هذه الحال الأثر هو إطلاق النار بصورة وحشية على أطفال وكبار واستخدام كم هائل من الرصاص، ثم بعد ذلك تتبع الأسباب وأعني هنا انه بعد معرفة السبب الذي أنتج فعل إطلاق النار يعتبر هذا السبب أثراً لسبب آخر وهكذا يستمر التحليل حتى يصل الباحث إلى معرفة السبب الأول أو على الأقل السبب الجذري، لذا علماء المعرفة وبالخصوص المختص منهم في علم النفس والاجتماع يجتهدون لمعرفة الجوهر الحقيقي للحدث لا السبب الظاهري وعلى هذا الأثر تظهر بعض النظريات التي تشخص هذه السلوكيات الدخيلة على المجتمع.
إن نقطة الصفر للتتبع وتحليل هذه الحادثة تكمن في إيجاد أهل الاختصاص الباحثين في مجال علم المعرفة وعلم الاجتماع، ونقطة البداية لهؤلاء تكون من هؤلاء المعتدين أنفسهم والمشاركة بالتحقيق معهم بطريقة علمية أكاديمية ومن ثم الانطلاق الى أرض الواقع والوقوف لمعاينة الأسباب. حينها فقط سوف تظهر الأسباب الغامضة من وراء أفعالهم الشنيعة، ويكتشف لهؤلاء العلماء المختصين طريقة علاج هذا السلوك الدخيل. وبدون هذه الطريقة في تشخيص هذا الحدث يكون العلاج غير مجد تماماً وقد يصل إلى مضرة فعليه، تماماً كمثل المريض الذي يأخذ علاجاً لمرض ليس فيه. لذا أحث الجميع وبالخصوص من يتصدى إلى تحليل الأسباب أو يوجه رسالة ما إلى الناس عبر المواقع الاجتماعية أو إلى الجهات الحكومية أن تكون هذه التحاليل ناتجة من أهل الاختصاص في علم الاجتماع وعلم المعرفة ممن لهم تجربتهم الناجحة في علاج المشاكل الاجتماعية وأن يتركوا التحاليل التي تعبر فقط عن وجهات نظر شخصية أو من أشخاص لهم تجاربهم الفاشلة وعليهم مشاكل اجتماعية مؤججة لأبناء مجتمعهم لأن في ذلك ضرراً على وطننا لا علاجاً. ولعل عادتنا أن الفرد فينا يفهم كل شيء في الرياضة والسياسة والدين والحياة الأسرية تصل إلى هذه الحادثة الأليمة فيكون هذا الفرد فاهماً عالماً في السلوكيات الدخيلة على المجتمع.
أخيراً في حادثة الأحساء حالتان نقيضتان تماماً يجب دراستهما كي يستفاد منهما وإلا سوف يكون دم الأطفال هدراً معرفياً بحتاً، والحالتان هما: الأولى الأسباب الحقيقية التي أنتجت فعل إطلاق النار، والثانية الأسباب الحقيقية التي أنتجت شباباً واعياً من قرية صغيرة في الأحساء لرفع شعارات نبذ الطائفية بكل ما يملكون من طاقة حتى تصل إلى أجساد الضحايا ويلفونهم بالعلم الأخضر قبل دفنهم.
طالب دكتوراة - بريطانيا