صادف التاسع من نوفمبر الحالي يوم الاحتضان العالمي، و«الاحتضان» هنا لا يعني ما تقوم به الأذرع والأضلاع باحتواء حبيب ما بين جنباتها فقط، بل يعني احتواء الأطفال من ذوي الظروف الخاصة والأيتام داخل أسر بديلة تكون لهم بمثابة الحضن الكبير.. وليس فقط المأوى.
اعتدنا دائماً في الحالات الانسانية أن من يحمل الراية ويرفعها ويقود الناس هو صاحب القضية ذاتها على أرض الواقع ممثلًا جميع الحالات الأخرى ناشراً توجههم وأفكارهم ومطالبهم، وهذا ما فعلته الشابة الكويتية «صفاء الفيلكاوي» وزوجها «هشام الطواري» في الحكاية التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، والتي دعت العالم العربي للاحتفال والمشاركة في هذا اليوم العالمي، برسم صورة ابتسامة على باطن اليد وإرسالها عبر الأثير تعبيراً عن استحسان الفكرة وتأييدها من خلال الهاشتاق #اليوم_العالمي_للاحتضان.
ما يميز هذه الحكاية هو حسّ المسؤولية العالية لدى الزوجين تجاه طفلهما المحتضن «محمد»، حيث قاما باحتضانه منذ بداية زواجهما على الرغم من صغر سنهما ومعارضة الأقارب، وعلى الرغم من أنه لا يوجد أيّ عارض بيولوجي يمنعهما من الانجاب أيضاً، إلاّ أن «صفاء» ظهرت في الفيلم الوثائقي الذي أعدته طالبات قسم الاعلام في جامعة الكويت، بعد أن أخضعت نفسها من جميع النواحي لتكون أماً حقيقية للدرجة التي استخدمت فيها عدة عقارات تستطيع أن ترفع من منسوب هرمون الحليب في جسدها بشكل أقرب ما يكون للأمومة الطبيعة، ورغم كل ما عانته جسدياً من تعب وزيادة في الوزن وإرهاق، إلا أن ذلك لم يكن ليساوي شيئاً لديها مقابل تلك اللحظة التي درّ فيها جسدها الحليب واستطاعت إرضاع «محمد» عشر رضعاتٍ مشبعات.
بالطبع تعرّضت «صفاء» وزوجها للكثير من النقد، حيث طالبهم العديد من الناس بكتمان الأمر بحجة ألا يفسد الأجر بالرياء بما فعلاه بكفالة اليتيم، ولكن يبدو أن «صفاء» منذ البداية كانت تعلم ماذا تريد تحديداً، فحتى هذا النقد واجهته بالاحتواء والاحتضان الذي برعت فيه، وذلك من خلال إظهار الفخر بابنها وتشجيع الأهالي على إظهار أطفالهم المحتضنين للعلن وعدم إخفائهم لأن الاحتضان ليس عاراً.. بل على العكس هو كل الفخر والمثالية والحلم الذي يسعى الإنسان الحقيقي لتحقيقه والعيش في خيراته.
الجميل في الأمر أن هذا التشجيع أثار عواطف وأحاسيس كثير من النساء المتخوفات من فكرة الاحتضان، بينما ينتظر آلاف الأطفال الأيتام حول العالم هذا الحضن الذي يستحقونه.
الاحتضان.. ليس مجرّد حل لأبوين حُرما من نعمة الذرية، بل هي رسالة مبهجة تقول إن مقدور أيّ انسان أن يهب فرصةً أجمل لكائنٍ حُرم من الحضن الطبيعي لأسباب لا يتحمّلها.. ولم يشارك في تكوينها.