من الصعب رصد كل أسماء جميع التنظيمات الحزبية والكوادر المرتبطة بها على مستوى الوطن العربي قاطبة؛ لأن أسماءها متعددة وتوجهاتها متباينة ومتقاطرة في آن واحد، واللافت فيها جميعا أنها خرجت من أرحام العرب المسلمين، فتفرق على اثرها الأصدقاء والأخوة والأرحام والأقارب الذين كان يجمعهم وطن واحد وكتاب واحد، إلى أمم متعددة وتوجهات يكره بعضها البعض، بل وقد يصل إلى تكفير وتمني قتل الآخر، والسبب انك من فئة أخرى أو محسوب على جماعة مناهضة لرأي ومعتقد، فانتشر الضلال والفتن والفرقة والبغض على الرغم من التقدم العلمي والفقهي والديني والمدارس العقدية التي تحث على الوحدة، وتناسوا في خضم هذا التغير الفكري، وما كان عليه آباؤهم وأجدادهم على امتداد الوطن العربي المسلم أنهم أخوة في الرسالة المحمدية، يعبدون ربا هو في السموات العلا، ويقرؤون كتابا بلسان عربي مبين، ومع ذلك ظهر النخر في الأمة بعد أن تعلمت ودرست، فهل عندما كانت أقل من ذلك كان ذلك الأفضل؟ وهل هنالك من دواع سياسية ساعدت على بروز مثل تلك التيارات المتناحرة بمسمياتها المختلفة، وأججت تفريق العرب والمسلمين إلى طوائف مختلفة ليست في القضايا الفقهية، بل في أساسيات الدين وفي الأمور الاعتقادية الكبرى كالجهاد والنفرة والولاء والحب والبغض؟ بمعنى آخر هل هنالك من يؤجج الطائفية المذهبية والحزبية بين العرب المسلمين على وجه الخصوص، ليقتتلوا ويكرهوا ويتنافروا ويضرب بعضهم رقاب بعض؟ من المستفيد من ذلك؟ وهل هنالك من عقول تقف وتدرس وتتأمل وترجع الناس لجادة الحق والصواب؟ وهل نحتاج لمصلحين محبين يعملون لهذا الأمر؟ أم أن كل واحد يعمل لمصلحته الخاصة ولا يهمه الآخرون؟ سؤال أقف عنده حائرا أتأمل فيه من المنظمات الفقهية الاسلامية في كل مكان ومفكريها وعلمائها ومخلصيها والساعين للسلام والإخاء أن يتحركوا بقلب رجل واحد على المستويين الشخصي والتنظيمي، كل باجتهاده لمكافحة الإرهاب الفكري الذي ينخر كالسرطان في الجسد؛ ليعيدوا الأمة العربية المسلمة لمفاهيم الصفاء والإخاء، قبل أن تنتشر مفاهيم الجفاء والبغضاء لتغدو هي السمة الغالبة.
إن مسؤولية مفكري الأمة أمام الله والتاريخ عظيمة في قول الحق، والذود عنه، قبل أن تكون مسؤولية الدول والرؤساء، بمعنى آخر إن التصدي للتطرف العسكري تتصدى له الجيوش، ولكن قبل الوصول لتلك المرحلة هنالك بؤر ظلام وأفكار هلامية تنتشر على مستوى الرجال والشباب والنساء في المجتمع المدني، من المهم بيان الحقيقة فيها والدعوة لنبذها بكافة الوسائل؛ لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ولأن المهادنة جزء من الموافقة، ولأن عدم الممانعة شقيق للرضا والقبول، ولو من تحت الطاولة، ولذا هي المسؤولية الكبرى التي سيسأل الله تعالى فيها كل واحد في موقعه عن ما قدم وفرط في وجه سرطان فكري ظالم.
وفي الختام، الجهود المميزة التي تبذلها كافة الإدارات المرتبطة بالحرمين الشريفين بدءا من النظافة والفرش والسقي والدعوة والإرشاد والتوجيه، جهود مميزة، أسأل الله العلي القدير أن يجزي قادة الوطن خير الجزاء على ما يقدمون من رعاية فوق الوصف، يتلمسها المعتمرون لبيت الله الحرام، ولكن ألتمس من معالي الدكتور الشيخ السديس - وفقه الله - أن يهتم بمسألة الحد من الأكل الذي تنوعت موائده وتعددت أصنافه، وغدا عبئا على جهات التنظيف، وكذلك الافتراش والنوم داخل الحرم وأمام ساحاته، فهو ليس فندقا أو شققا مفروشة لكل من أراد أن يلتحف بالفرش، ويشاخر مزعجا المعتكفين والقائمين، وتظهر عورته لهم أثناء النوم، في مناظر نستحي منها مرورا مع محارمنا، فهل هنالك من رغبة للوقوف ازاءها ومعالجتها تعظيما وتطهيرا للبيت العتيق؟
* أستاذ مشارك المناهج بجامعة الدمام