بحث الجاحظ -حسب عالم الاجتماع الكبير الدكتور علي الوردي- أثر البيئة الجغرافية والاجتماعية والدينية على الإنسان (...) وأشار إلى وجود سلطتين: واحدة دينية وأخرى لإدارة المجتمع من سياسة واقتصاد.. كما بين أن طرق فهم الدين هي التي تشكل الاختلاف بين الأديان، دين الإنسان كان بالتقليد لا بالاختيار.
قبل أكثر من ألف عام طرحت هذه الأفكار في حقل الثقافة العربية فهل لفتت أنظار معاصريها؟ هل وقفوا قليلا أمام الأضواء المنطلقة منها؟ هل حركت بركة التساؤلات أم بقيت البركة تحمل لكل سؤال جوابا قبل أن يطلق؟
لو بحثت تلك الثقافة القول: (إن دين الإنسان كان بالتقليد لا بالاختيار) ماذا ستكون الأسئلة التي تطرح؟ وما التفرعات المتناسلة من هذا القول المملوء بالإيحاءات؟ وهذا أحد الأمثلة فما بالك لو طرحت مقولة: إن لها في كل مجتمع سلطتين واحدة دينية وأخرى لإدارة المجتمع من سياسة واقتصاد. وانطلقت الأسئلة حرة حول هذه المقولة ترى ماذا سيكون نوع هذه الأسئلة؟ وما الآفاق التي تفتحها نحو المستقبل؟
هل تود أن تشترك معي في طرح الأسئلة التي تضمها الاحتمالات المنطلقة من الفقرة السابقة (أي وجود سلطتين في كل مجتمع)؟ الأسئلة كثيرة غير أني سأترك لك الخوض فيها.. أما أنا فسأذهب إلى الفقرة التي تقول: «إن طرق فهم الدين هي التي تشكل الاختلاف بين الأديان».
إذن هناك طريقة فهم.. فكيف تتكون هذه الطريقة؟ ذلك ما يجب أن نبحث عنه.. لأن معرفة الكيفية التي تتكون منها هذه الطريقة هي الضوء الذي يقودنا إلى معرفة يمكن الاطمئنان إليها في فهم ما تنطوي عليه من خلل أو صواب.. ترى ما طريقة فهمنا للدين؟ ثم هل تختلف طريقة فهمنا له عن طريقة غيرنا في فهم أديانهم؟
ما يتضح للعين المجردة هو أن طريقة فهمنا للدين هي طريقة وراثية، أي إننا لم نبذل أي جهد في معرفتها وفحص أجزائها ودراسة ما فيها من معان ضمنية أو ما يسمونه قديما «لحن القول» إننا اقتبسناها من فهم غيرنا.
غيرنا فهم دينه بنفس الطريقة طريقة التقليد الأعمى.. فما الذي أعطانا الحق في وصفهم بالضلال؟ لماذا لا نؤمن بأن «لكم دينكم ولي دين» لماذا؟ لماذا؟