جريمة (الدالوة) ليست تاريخا.. مازالت جرحا نعيشه أرجو أن يتحول إلى فائدة وحل.. عبرة وتفاؤل، لا نريد أن تظل خسارة ومشكلة. لكل حدث أبعاد مقروءة وأخرى غير مقروءة، كل حدث يوحي ويقول، كل حدث يعطينا مجالا للتقييم وللمراجعة، تعيش المنطقة، منذ ثمانينيات القرن الماضي، أحداثا وقضايا. عشنا مصيبة حرب العراق وإيران. عشنا غلطة غزو الكويت، ثم أحداث تحريرها. عشنا أحداث حصار العراق، ثم جريمة غزوه واحتلاله. أصبحت المنطقة سوقا، لكل أنواع الدروس والعبر. هل تعلمنا شيئا؟!
ثم جاءت دول الربيع العربي: تونس.. مصر.. ليبيا.. اليمن. ثم تفجرت مصائب الصراع في سوريا والعراق. ثم جاءت (داعش) تهدد وتستبيح الدماء. تتجاوز القيم والمبادئ الإنسانية باسم الدين الإسلامي. جعلت لممارساتها خلافة تدعي أنها اسلامية. موجة أحداث تعقبها أخرى. نسأل عن الإنسان في كل هذه الأحدث.
نشرات الأخبار تروي العجب. فضاء يعج بنعيق تباين الاراء، والتحليلات، والمقاصد. قنوات فضائية ترفع رايات الحروب الهوائية. كأنها تؤسس لحروب قادمة على الأرض. تحول العالم العربي من دول إلى فرق، وطوائف، وجماعات، وأحزاب، وأفراد. هكذا يزيد الفضاء العربي عمق المشاكل. من الضحية الأولى والأخيرة في كل ما جرى ويجري؟!
يدفع المواطن العربي الثمن. كل فكر ضال يسعى لاستقطاب ما يستطيع من الأتباع. يقودون إلى التهلكة والموت الى الخراب والفقر والجهل. يظل السؤال قائم: لصالح من؟! من يقف خلف هذه الحروب، والأحداث في العالم العربي؟! سؤال يصعب على الفرد العربي تحقيق إجابته. يجد نفسه راكبا موجة تأتيه. لتنقله ضد موجة أخرى تحمل أخاه. هكذا أصبح العالم العربي، يعيش فوضى أمواج الصراعات. لصالح من؟!
نحن جزء من العالم العربي. لنا مصالح يجب أن يكون هناك اجماع حولها. أهدافنا يجب أن تكون واحدة. كذلك رؤيتنا وتطلعاتنا. جاءت جريمة (الدالوة) فجأة.. كغيرها من الأحداث طرحت أمامنا مؤشرات بأكثر من قراءة، وتحليل، واستنتاج. جريمة يجب أن تثير كل التساؤلات. تثير كل الاحتمالات. تثير كل توقعات النتائج.
ما جرى في (الدالوة) بالاحساء جريمة بحق الوطن، والمواطنين، وأيضا المستقبل. جريمة بحق العلماء، والدولة، والإنجازات. جريمة بحق الآباء الذين وحدوا، وبنوا، وحافظوا، وأنجزوا.
كمواطنين، فهمنا لأبعاد معنى الأمن، ضرورة أمنية. الجميع في قارب واحد. فهمنا لأبعاد معنى الوطن والتلاحم والمصلحة العامة، (ضرورة أمنية). فهمنا لأبعاد معنى أن تحب لنفسك ما تحبه لأخيك، (ضرورة أمنية). فهمنا لأبعاد معنى أشياء مشتركة بين الجميع ومهمة للجميع، (ضرورة أمنية).
ما الضرورات المهمة للمواطن. هناك مهم وهناك أهم. هناك ضرورة وهناك كماليات. شبح الجوع هو الخطر الأول.. ثم يأتي (الانتماء) في المرتبة الثانية من حيث الأهمية.. ويأتي (الأمن) في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية. لا يتحقق (الأمن) إلا بعد توفر (الغذاء) و(الإنتماء).. لكن غياب (الأمن) يهدد كل المتطلبات السابقة. كذلك غياب (الانتماء) يهدد كل المتطلبات التي تسبقه. ولكن غياب (الغذاء) يقود إلى الموت.
يأتي بعد (الأمن)، المتطلب الرابع: (الكرامة).. هكذا كل درجة تعتمد على الدرجة التي تسبقها.. لكن هدم الدرجات العليا تهوي بجميع الدرجات السابقة. (الانتماء) أهم من الأمن.. لأنه أساس الأمن. الانتماء بناء. الخروج من دائرة (الانتماء) خيانة عند جميع الامم. كنتيجة يجب أن يكون انتماؤنا واحدا. هذا يعزز اللحمة ويزيد صلابتها وتماسكها.
في غياب الانتماء يأتي الخراب ولا يتحقق الأمن. (الانتماء) محور يجب لكل مواطن فهمه، واستيعابه، والإيمان به، والدفاع عنه. هذا يقودنا إلى تفسير وقراءة أحدث (الدالوة) بدقة متناهية. كمواطنين اثبتنا لأنفسنا، وللآخرين، مدى (الانتماء) الذي نحمل. قوة يصعب اختراقها وتفتيتها.
تفسير سرعة تحرك الاجهزة الأمنية مؤشر على صلابة الانتماء. تحرك يعطي مؤشرات مهمة. نجاحها في القبض على الإرهابيين انتماء. هذا الإنجاز لرجال الأمن مفخرة للجميع. يعزز ثقتنا في الأجهزة الأمنية ومسؤوليها، في مقدمتهم: الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية. ليس هذا فقط.. لكن استعداد رجال الأمن للتضحية بأرواحهم في سبيل أمن المواطن له دلالات لتأكيد (الانتماء).
جنود الوطن مستعدون بالتضحية بالروح من أجل أن يعيش المواطن كريما مرفوع الرأس (هذا انتماء). عقيدة تؤكد أن المواطن هو الوطن. أنا وأنت. نبادلهم الحب بالحب (هذا انتماء). حبهم تعبير عن وحدتنا في مشاعرنا وأهدافنا وطموحاتنا (هذا انتماء). الانتماء يزيد ويرتقي بتعاطفنا كمواطنين مع أسر شهداء الوطن. الوقوف بجانبهم ومدهم بكل احتياجاتهم واجب وعبادة وانتماء.
مؤشر جنازة ضحايا (الدالوة) يؤكد (الانتماء). يؤكد مدى حاجتنا لبعض. أعداد ضخمة تجمعت لتهتف لصالح الوطن وأهله. تؤكد رغبة حمل الوطن ومصالحه إلى درجات عالية من تحدي الإرهاب، (هذا انتماء). جموع شارفت الربع مليون فرد تؤكد تلاحم المشاعر والسواعد، (هذا انتماء). جموع تؤكد وحدة الصف، (هذا انتماء). تؤكد فهم الجميع للمصير الواحد، (هذا انتماء). الغضب الذي وحد المواطنين انتماء وولاء.
أكدت أحداث (الدالوة) وحدة مشاعر أهل الوطن، (هذا انتماء). جاء النّاس من كل مناطق المملكة في تظاهرة وطنية ضد الارهاب ضد كل محاولة لسرقة الوطن وأهله، (هذا انتماء). قرية (الدالوة) تحولت إلى تظاهرة لتأكيد الانتماء. قرية (الدالوة) رفعت بيرق ملحمة قوة الانتماء كسلاح لمواجهة الإرهاب بكل أصنافه وأشكاله ومشاربه. الانتماء حجر أساس مستقبلنا في هذا الوطن.
الانتماء لا يأتي من فراغ. نحن كمواطنين نصنعه، نحافظ عليه ونستوعبه. الانتماء رسالة يجب نقلها من جيل لآخر، وبنفس القوة. الانتماء يعزز فهمنا لأمننا وكرامتنا.. وتجاوزنا كل الصغائر والنقائص، والمنغصات الطارئة. التفاعل الشعبي لوحة انتماء لا تقدر بثمن. تفاعل يؤكد النضج. يؤكد طيب نكهة الالتحام. يؤكد قوة نبرة التحدي. يؤكد أن الوطن أنا وأنت. الحب يجمع، والكره يفرق. تفاعل (الدالوة) دليل ولاء وانتماء. حب ليس غيره شيء.
* أكاديمي- جامعة الملك فيصل