في أحد مقالاتي السابقة في هذه الزاوية بتاريخ 18 يوليو 2014 ، و تحت عنوان (أحداث اليمن مرآة العراق) كنت قد عقدت مقارنة بين ما يحدث في العراق من اجتياح الدواعش للموصل وبين اجتياح مدينة عمران من قبل الحوثيين، فجهة قدوم الغزاة كانت الشمال في كلا الدولتين، وكلا المنظمتين؛ داعش وجماعة الحوثي هما جماعتان مذهبيتان وإن اختلفت مذاهبهما. وتساءلت: من منهم سيحتل عاصمة البلاد التي يحارب فيها؟ و من ستسقط أولاً؛ صنعاء أم بغداد؟ العنصر المتماثل بين الطرفين والذي سقط من المقارنة في تلك المقالة، هو أن كلاً منهما يريد أن ينشئ كياناً أو دولةً خاصة به! الدواعش لا يخفون رغبتهم في إنشاء دولة بل هم بالفعل قد أعلنوا عنها، فماذا عن الحوثيين؟ الحوثيون هم زيديو اليمن، وهم -أقصد الزيديين-، قبل الثورة التي قام بها ضباط يمنيون، قوميون في ستينيات القرن الواحد والعشرين، من كان يسيطر على اليمن و الذي لا يربط بين أحلام الحوثيين والتاريخ المعاصر لليمن يرتكب خطأ. الآن وبعد أن سيطر الحوثيون بشكل كبير على العاصمة السياسية الجغرافية في اليمن لن يكون بإمكانهم التحرك بصمت كما كانوا سابقاً، ومواصلة مشروعهم في السيطرة على باقي أرجاء اليمن دون الصدام مع جميع اللاعبين الأساسيين في الساحة اليمنية، وهم، أي اللاعبين، يضمون بينهم قوى إقليمية وأخرى محلية. فالدول الإقليمية قد فتحت عيونها ولها في المجال اليمني حساباتها السياسية. وفي الداخل هناك القبائل اليمنية كلاعب أساسي، وهي عامل مهم في ظل دولة ضعيفة على مدى عقود طويلة، وباتت لاعباً أساسياً في اليمن. وتنظيم القاعدة بات منذ قترة، وبسبب عدم الاستقرار السياسي، متداخلاً مع بعض القوى الاجتماعية في اليمن، ومن هنا يمكن تفسير الاشتباك الحاصل حالياً بين الحوثيين من جهة وتلك القوى الموجودة على سطح الأرض اليمنية. قوى ثورة الربيع اليمني هي أيضاً، رغم الإنهاك الذي أصابها ورغم تراجع تيار الإصلاح اليمني المحسوب على الإخوان المسلمين، والذي تلقى في الكثير من البلدان العربية ضربات موجعة، لا يمكن تجاوزها. تعاني داعش رغم صمودها المرحلي الأمرين، بسبب سياستها العنفية المتوحشة، والجيش العراقي يستعيد سمعته مع كل أرض يستخلصها من أيدي مغول القرن الحادي والعشرين، وتصطدم قوى الحوثي بالمكونات اليمنية السالفة الذكر، لا الدواعش و خليفتهم سيكونون قادرين على تكوين دولة، ولن يكون الحوثيون قادرين على العودة إلى ما قبل ثورة الضباط اليمنيين في الستينيات، ولا الدول التي تحكمها طائفة قادرة على العودة إلى التحكم في مجريات الدولة من جديد بعد انفراط العقد من بين يديها. ثلاث دول رئيسية اليمن، سوريا و العراق، إنه الشرق الأوسط الجديد ليس ذلك الذي تكلمت عنه جونزليزا رايس، كلّا، إنه شرق أوسط لن تكون الغلبة فيه لأحد أو لطائفة على أخرى مهما بلغ حجمها، بل التعايش والتكامل من أجل صنع وطن بحدود سياسية قد استقرت منذ سايس بيكو ولا يجب اللعب بها، وطن يتسع للجميع.
* برنامج التعاون الصحي المشترك
مستشفى الملك فهد التخصصي- الدمام