الأصداء الواسعة التي حظيت بها مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لإعادة الوحدة الخليجية إلى مسارها الصحيح والطبيعي؛ تدل على أن شعوب الخليج تتطلع إلى التلاحم والتكاتف والانتقال بمجلس التعاون إلى اتحاد بين دوله وشعوبه.
وهو الاقتراح الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين إلى أشقائه زعماء الخليج، في قمة الرياض عام 2011. وحظي الاقتراح حينها وإلى الآن بترحيب شعبي واسع في جميع بلدان الخليج.
وبمبادرة خادم الحرمين الشريفين ودعوته لأشقائه زعماء دول مجلس التعاون في الرياض، قبل يومين، لعقد اجتماع مصالحة، وتصفية الأجواء وإنهاء الخلافات بين دول المجلس؛ يتجدد الأمل الشعبي الخليجي بالإسراع في دراسة مقترح خادم الحرمين الشريفين بالانتقال بمجلس التعاون إلى صيغة اتحادية؛ لأن الاتحاد كان هدفًا في ضمير الزعماء المؤسسين لمجلس التعاون، وهم جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز، والشيخ جابر الأحمد الصباح، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، والشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، -رحمهم الله جميعًا وأسكنهم فسيح الجنات-، والسلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله-.
وكان مقترح خادم الحرمين الشريفين بفكرة الاتحاد، ليس إلا إحياء لذلك الهدف العظيم، ووضعه على طاولة البحث والدراسة. وأيضًا كان المقترح رسالة لشعوب الخليج، بأن آمالها وتطلعاتها تعيش في ذهن وضمير خادم الحرمين الشريفين، زعيم المبادرات والوحدة والسلام والعفو والتسامح.
وفي الحقيقة، فإن الانتقال الخليجي من التعاون إلى الاتحاد، إذا ما صلحت النوايا، ليس أمرًا مستحيلًا، خاصة أن المملكة منفتحة على أي رأي يدعم فكرة الاتحاد. ويمكن أن يبدأ هذا المشروع الحلم العظيم، بتوحيد السياسة الخارجية، والدفاع والتنسيق الاقتصادي، وتترك المسائل الداخلية لكل دولة. وفي الحقيقة، فإن أغلب هذه السياسات قائمة حاليًا، وإن اختلفت وجهات النظر، فالسياسة الخارجية الخليجية موحدة تقريبًا؛ لأن الهموم مشتركة والتحديات مشتركة والجغرافيا مشتركة، وما يضر دولة خليجية يضر الدول الأخر، كما أن المبدأ الدفاعي موحد تقريبًا، إذ توجد قوات درع الجزيرة التي تمثل القوة الدفاعية المشتركة؛ للذود عن السيادة والتراب والشعوب الخليجية. والتنسيق الاقتصادي والتشريعي والأمني أيضًا قطع أشواطًا طويلة، ويقترب من الوحدة. كل ذلك يجعل مقترح خادم الحرمين الشريفين عمليا وممكن التحقيق فقط بإضافة بعض التعديلات على حركة التنسيق السياسي والاقتصادي والدفاعي.
وفي الحقيقة، فإن التقلبات الدراماتيكية في المنطقة، والمؤامرات التي تحاك ضد دول الخليج وشعوبها، والمصير المشترك يجعل مشروع الاتحاد هو الدرع الذي يحصن دول الخليج من عاديات الزمن ومفاجآت الأحداث. خاصة أن العظات والعبر كثيرة، ففي عام 1990، فجأة وفي ظلام الليل الدامس، اجتاحت جحافل صدام حسين الباغية الكويت، ونهبتها وصادرتها وعاثت فيها قتلًا وتنكيلًا وألغتها من الهوية والخارطة، إلى أن تحررت الكويت بإرادة وتصميم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وبعون من الأشقاء والأصدقاء.
وأصبحت إيران، التي تحتل بالفعل جزرًا إماراتية، تستعرض قوتها، وهي في الحقيقة، إذا ما دققنا في الأقوال والأفعال، تهدد كل دول الخليج، وليس الإمارات والبحرين وحدهما، كما أن المصالح مع الدول الكبرى تختلف من موسم لآخر ومن حقبة لأخرى.
وإذا ما وجدت الدول الكبرى مصلحة في التضحية بصديق فإنها لن تتردد، ويمكن أخذ العبرة من شاه إيران ومن حسني مبارك ومن صدام حسين نفسه ومن زين العابدين بن علي، ومن القذافي الذي قبل الإطاحة به بدأ صداقة واسعة ومنفتحة على الدول الكبرى.