ناصر الحبابي الذي أتكلم عنه ليس شاعرا يملأ الاسماع باللؤلؤ الكاذب وليس ناقدا لا يشق له ضباب ولا علاقة له بدارس الفلسفة المغربي محمد سعيد الحبابي (1822– 1993م) مؤسس مذهب «الشخصانية الاسلامية» ناصر الحبابي الذي اتكلم عنه عامل بسيط في ارامكو لا يعرف كتابة اسمه بالعربية.. ولكنه كان مثالا عاليا للنبل والسخاء والوعي العفوي المضيء.
كان بحسه العمالي مشغوفا بحب عبدالناصر وكنت اشاغبه احيانا بنقد بعض قرارات عبدالناصر فيكتسي وجهه بلون من الغضب يشبه جمرة يغالبها الرماد.. فأعرف انه قد بلغ المدى الذي لو تعديته لترك المكان وغادرني وحيدا.
كنت أتعجب وأسأل نفسي: هل يدخر ناصر لأسرته شيئا من راتبه القليل، وغرفته في حي السعوديين لم تخل يوما من الضيوف وكان فيه طبع السحاب.. فالمغادر من الدمام أو القطيف الى الاحساء لابد ان يمر بغرفته والقادم من الاحساء لابد ان يمر بغرفته كذلك.. وكان وجهه يشرق بشرا امام كل ضيوفه من أي طبقة كانوا ومن أي مذهب او عقيدة او عرف.
في آخر حياته اصيب بالشلل، وكانت اصابته بمثابة اختبار لمن تمتعوا طويلا بكرمه المالي والاخلاقي.. لأنهم لم يذكروا فضله عليهم، وحين طلبت مرة رؤيته كان ذلك محل استغراب.
ناصر مثال شاهق لمن هم مثله.. الذين يبذلون نفوسهم للآخرين دون انتظار لشيء، حتى الشكر، لأنهم يفعلون ذلك بطبعهم تماما مثل النهر الذي لا يستطيع «تغيير مجراه» والا لم يعد نهرا ومثل الشجر ترميه بالحجر فيرميك بالثمر.
حين عدت قبل بضعة ايام من الخارج سألت اول من التقيت به من الاهل في مدينة العمران: كيف حال ناصر الحبابي؟ فقال لي انه توفي منذ زمن.. قلت له: كيف لم اعرف؟ فقال لي: كنت في الخارج ولم نظن ان علاقتك به تبلغ هذا المدى.
كان جوابه موجعا لي فأنا طوال حياة ناصر لم اتكلم عن خصاله العالية امام الناس.. كنت احمل له الود والتقدير في نفسي.. واتضح لي اخيرا ان هذا لا يكفي.. ان الود لا يكتمل اذا كان صامتا، بل لابد من اعلانه سواء كان لصديق او استاذ او قريب او بعيد.. الاعلان يريحك من اعاقة الصمت.
رحم الله «ناصر» وأحسن اليه بمقدار ما احسن هو للآخرين وبمقدار نكرانهم لإحسانه اليهم.
* كاتب