قمت بزيارة لأحد المكاتب العقارية الأسبوع الماضي للسؤال والاستفسار عن أسعار الأراضي والفلل السكنية، وأخذ فكرة شاملة عن أوضاع السوق، خصوصاً بعد ما تم مؤخراً من تأجيل مجلس الشورى للبت النهائي في إقرار نظام جباية الزكاة على الأراضي البيضاء، وتزامناً مع بداية العام الهجري الجديد 1436هـ وما يصاحبه من حالة تذبذب في كمية العرض والطلب "جعلة الله عاماً مليئاً بالمسرات والإنجازات لنا جميعاً، وحفظنا ووطننا من كل الشرور، ومتعنا بنعمة الأمن والأمان".
عندها.. وأثناء احتسائي فنجان القهوة لدى مكتب العقار، دخل رجل محترم في هيئته وشكله، أوقفت حواري لأمنح الرجل فرصة الحديث الذي يبدو أنه في عجلة من أمره، حينها أوضح (الرجل) لموظف الاستقبال أنه يبحث عن شقة عائلية، واستمرا في الحديث عن التفاصيل المتعلقة بطلبه...إلى أن وصل لسؤال أين تعمل؟ فأجاب عسكري، حينها اعتذر أن طلبه غير متوفر لدى مكتبهم، وقُبيل مغادرة الرجل ودعه الموظف بمثل ما استقبله به من حفاوة وتقدير.
(هنا)... لم أستطع أن أكبح جماح فضولي للاستيضاح عن سبب عدم رغبة موظف مكتب العقار أن يكون الرجل أحد زبائنه، والذي مما شهدته وسمعته عدم وجود أي إشكالية أو مشكلة إدارية أو مالية لدى الرجل تعوق حفظ حقوق مكتب العقار أو ملاك العقار في التعامل مع "العسكريين". أليس جميع الأفراد إداريين وعسكريين موظفين حكوميين لدى الدولة باختلاف القطاعات والوحدات (الداخلية، الدفاع، الجيش، الحرس الوطني)؟. هل هناك قرار وزاري أو تعميم من جهات حكومية رسمية كوزارة التجارة أو الغرفة التجارية يدعم توجهكم بعدم التعامل مع هذه الفئة أو المجموعة من أفراد المجتمع الذين نعتبرهم "مبعث فخر واعتزاز"؟. لا يوجد لدي أي اعتراض أو معارضة شخصية، أنا مسوق عقار وبعض ملاك العقار لا يرغب في التعامل مع (العسكريين).
حينها... صمت وجلست أتذكر رحلتي قبل شهر إلى الأراضي المقدسة بعد أن منّ الله علي بإتمام شعيرة الحج، شاهدت خلال هذه الرحلة الإيمانية رجالاً من جميع القطاعات العسكرية دون استثناء هدفهم الأوحد (راحة الحاج). كانوا منظمين ميدانياً ومحترفين في تعاملهم مع اختلاف وتعدد ثقافة وألسنة الحجيج، كانت الابتسامة والاسلوب اللطيف في "إيصال الرسالة التوعوية" تجبر الحاج على الانصياع والالتزام بالإرشادات لسلامته وسلامة جميع الحجاج، ما زلت أتذكر الأوقات التي تكون فيها أشعة الشمس عمودية حارقة وكانوا هم -رجال الأمن- من يداعبنا ويخفف علينا حرارة الجو برش "الماء البارد"، ونحن في انتظار الانتقال بالقطار من وإلى الجمرات في أيام التشريق. في مخيلتي حُفظ مشهد لطفل رضيع مع أمه تعثرت بسبب التدافع عندها تدخلوا (كالمقص في الورقة) واخترقوا الحشد وأخرجوهما. هناك المزيد من القصص التي سمعتها ولم أشاهدها بأم عيني وتداولها أخواني الحجاج في مخيمنا والمخيمات المجاورة لنا عن الدور الكبير الذي قام به رجال الأمن في خدمة ضيوف الرحمن والسهر على راحتهم والتي لا يسع المقام لذكرها.
أخيراً.. لم يتبق في نفسي قبل مغادرتي المكتب إلا أن أوصي مسوق العقار أن يُبلغ رسالتي هذه لكل مالك عقار يتعامل بهذه النظرة الدونية مع رجالنا (العسكريين) من -وقفوا وما زالوا كالجبال الشامخة حماة لتراب هذا الوطن- أن الشرف سيلازمه إن كان أحد قاطني شققه "رجلا عسكريا"؛ لأن وجوده عامل أمن واطمئنان داخل بنايته كما هو الحال خارجها وفي كافة أرجاء الوطن.