لعبت المملكة دورا أساسيا ومحوريا في صياغة ما عُرف بالمبادرة الخليجية، التي استهدفت حل المشكل اليمني، ووضع الفرقاء اليمنيين على طريق بناء وطنهم على أسس المواطنة والشراكة، بعيدا عن المحاصصات التي لا هم لها سوى تحقيق المكاسب الذاتية، وظلت ولا تزال تدعم جهود فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي بغية إخراج اليمن الشقيق من حمى النزاعات إلى وحدة الهدف والموقف، وهي حين تفعل ذلك لا تمن على الأخوة في اليمن، لأنها ترى في اليمن عمقها الاستراتيجي، وأنها معنية به وبوحدته واستقراره ورخائه من هذا المنطلق، ومن منطلق واجبات الأخوة والجوار. وقد تجلى هذا التعبير عملا على الأرض من خلال ذلك الدعم المستمر لعمليات التنمية في اليمن على مدى عقود، انطلاقا من أنها تريد أن ترى اليمن كما يجب أن يكون بلدا مستقلا بقراره وسيادته، وقادرا على القيام بواجباته العربية والاقليمية والدولية، ويحظى بما يستحقه من الاستقرار والأمن في كافة جوانبه.
غير أن هنالك من يمد يده لليمن، ولكن ليس بذات الطريقة، وإنما من خلال تحريك بعض الفئات للسيطرة على القرار اليمني، وربما تمزيق أوصاله لو أمكن ذلك ليظل خاصرة رخوة يمكنها النفاذ منها لتحقيق مآربها، دون أن يعنيها ما سيحل بالشعب اليمني نتيجة ذلك التدخل الطائفي من طغيان العداوات بين مكوناته، واستثارة بقية طوائفه، والدفع به باتجاه الاحتراب، لأن تدخل تلك القوى لم يكن خالصا لوجه الله، ولا من أجل المحافظة على سيادته، وإنما من أجل استخدامه كبوابة لتنفيذ مخططات ما عادت تخفى على كل من يتابع الشأن اليمني، ويرى كيف تجري تلك التحولات فيه، وكيف يتم التوقيع على اتفاقيات الشراكة، ثم يتم انتهاكها من ذات الأطراف قبل أن يجف حبرها، مما يؤكد الغاية الدنيئة من تلك التدخلات التي لا تزال تدفع باتجاه تأزيم الأمور فيه.. رغم الجهود المخلصة لدول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها المملكة الجارة الكبرى، والجهود الدولية ممثلة بمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة السيد جمال بن عمر، حيث يواصل الحوثيون تمددهم في مختلف المحافظات اليمنية غير عابئين بما يفرضه هذا التمدد خارج نطاق محافظاتهم من آثار سلبية مدمرة على استقرار اليمن، وعلى الاتفاقات المبرمة مع بقية الفرقاء، مما يعني أنهم ينفذون مشروعهم بالتعاون مع بعض الأطراف في الداخل اليمني ترجمة لتلك الأجندة المعروفة، التي بات من الصعب طمس معالمها أو إخفاء نواياها بتلك الخطب التي يلقيها عبدالملك الحوثي، والتي تحاول إيهام الآخرين أنهم يتحركون تحت غطاء الثورة التي قامت من أجل عناوين الكرامة والعيش الكريم، للتخلص من نظام صالح وفساد مؤسساته، كما تحاول إبعاد تحركاتهم عن سمة البعد الطائفي، رغم افتضاح هذه المسائل من خلال الوقائع اليومية التي تجري على الأرض، ووعي أكثرية اليمنيين بهذه التهويمات وأبعادها.
ولعل المملكة التي اتخذت موقفا ثابتا وواضحا مما يجري في اليمن على اعتبار أنه شأن داخلي، وبقيت تعمل في إطار مجلس التعاون الخليجي إلى جانب المجتمع الدولي لإنقاذ اليمن من محنته، تراهن اليوم على وعي الشعب اليمني، والذي يأبى أن يكون مجرد ورقة مفاوضات يتم الزج بها بين بعض الدول الاقليمية وخصومها في الغرب للظفر ببعض المكاسب السياسية أو العسكرية، كما تراهن على قيادته لإعادة تصويب مسيرته، والعودة مجددا لبنود المبادرة الخليجية، واتفاقية الشراكة، للحيلولة دون انزلاق هذا القطر العربي الشقيق إلى دوامة العنف والاقتتال لا قدر الله.