آلة العقل من أعظم النعم التي وهبها المولى -عز وجل- لنا أبناء الجنس البشري، فهي قوة بالغة وحكمة نافذة وسداد وكمال؛ إذا بذل في الطريق الذي أراده من أعطاه لمخلوقيه، ومن كمال العقل الذي لا يختلف عليه العقلاء هو الإيمان البالغ بقصور قدرات العقل البشري في أحيان كثيرة، والإيمان بهذا القصور هو كما نراه آله توجيهية ذات نفع عظيم لعمارة هذا الكون وحسن الخلافة فيه، وهو سبيل الأذكياء والحكماء وأهل السداد والرأي وهو في الأصل أمر يريده الله لعباده؛ حتى لا تتحول الحياة إلى أهواء تتلاعب بها الشبهات والشهوات، لذلك فإن المولى عز وجل قد جعل حكمه وحكم رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام حكما ملزما لا اختياريا، حين يقول وقوله الحق: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله فقد ضل ضلالا بعيدا»٣٦ الاحزاب، ومن أراد غير هذا واستخار سبيل الكبر الذي يقود الى الاصطدام بالحق ثم نكرانه فقد قال المولى عز وجل في حقهم: «سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ»146 الأعراف. وهناك أمر هام جدا قد يغيب عن مفهوم كثير من الناس وهو أن الشهوات والشبهات معالم رئيسية في المهن الانسانية، وعلى رأسها الطب والأخلاقيات الطبية في الممارسة والبحث الطبي هي مجال مؤتمرات علمية ومحل اهتمام دور الفتوى الشرعية، وحيث إننا ممن بحث وجال في هذا الأمر فإني أرى رأيا أؤكد عليه من واقع عقيدة بالغة بالأمر، وهو أن هناك منحنيات أخلاقية ودينية في البحث العلمي، لا مجال للاسترشاد وبلوغ الحق فيها دون الرجوع للدستور الأزلي الذي فيه نبأ من قبلنا وحكم ما بيننا في القرآن الكريم والسنة المطهرة، التي هي الأمان الأخلاقي والنفسي والديني والاجتماعي الأوثق في جميع الأحوال، فما غالب القرآن أحد إلا غلبه، ومن باب التجربة العملية التي مررت بها وعايشتها في الحرب الضروس لمعارضتي الواضحة وغير القابلة للجدل لنزع أجهزة التنفس عن من يدعون خطأ وتضليلا المتوفين دماغيا، والتي قابلت على أثرها اللجنة السباعية لهيئة كبار العلماء، وصرح بعدها سماحة المفتي صراحة غير قابلة للجدل بكون هؤلاء المرضى أحياء، ولكن الأمر بقي تصريحا إذ لم يتبعه فتوى واضحة المعالم، توزع على المستشفيات في المملكة والعالم، الذين ما زالوا يمارسون نزع الأجهزة عن المتوفين دماغيا بناء على فتوى العام ١٤٠٩ للهجرة، والتي تحفظ عليها العلماء ابن باز وابن عثيمين والاخير له موقفه الشهير في هذا الامر.
وهذا الأمر أسهم على المستوى العالمي في تضليل الرأي العلمي لإمعان البحوث الطبية في آلية المرض المستعصي الذي يفقد المرء وعيه مع علامات أخرى استخدمت ثوب الطب لاستحلال واحدة من أبشع التعديات البشرية في تاريخ الإنسان، والتي خولت لأقرب الأقربين التوقيع لإنهاء حياة قريبه من أم وأب وابن لثقة عظمى منحت لهذا الطبيب الذي غلبه غرور العلم وزهوة المعرفة المشوهة أو اتباع لابتداع حادثة، فُصِلت عن أنقى منابع المعرفة.
والتطور الكبير الذي حصل في مجالات الطب وفروعه شاهد على أن الركود في البحث العلمي لهؤلاء المرضى كان ولا يزال مفسدة علمية وأخلاقية كبرى استمرت أكثر من ٤٤من السنين العجاف التي عطلت فيها أبحاث هندسة الأنسجة (Tissue Engineering) والطب المتجدد(Regenerative Medicine) وأبحاث الخلايا الجذعية المتعددة الطاقات التوجيهية (Pluripotent Stem Cells) والتي حل محلها هذا الإجرام البشع بقتل أحياء والتمثيل بهم ثم اختلاس أعضائهم، وعلماء الشرع في بلادي وبلاد المسلمين إن شاء الله براء من هذا، إذ أن المعطيات الطبية المنقولة لهم فيها زيغ تعلوه شبهات تحركها شهوات الشهرة العلمية التي أراها بغيضة طالما هذا طريقها. ولكيلا يعم التشاؤم بين قرائي الكرام، فإن هؤلاء ولله الحمد قلة وغالبا ما يكونون ممن يرتبط عملهم الطبي بنقل الأعضاء التي يوفرها لهم هؤلاء الأبرياء وهم قلة قليلة داخل أهل تخصصات نقل الأعضاء، إذ ان الأعم والأكثر زملاء على دين وخلق نفخر بهم دون هؤلاء القلة التي أفلس أحد أفرادها في نقاش الحق والباطل فتوجه لي قائلا: أنتم تحاربون نقل الأعضاء فطبطبت على كتفه المنهزم أرضا وقلت له: بل قل إننا نحارب تجارة الأعضاء التي أنتم لها نازعون ونحن من فعلكم بريئون فالحرام مفتاح أبواب المفاسد، والاسترشاد بأمر الله ورسوله هي راحة بال وحذقٌ في حنكة وحنكة إلى حكمة أردناها لأنفسنا،أما أنتم فعنها غافلون. زميل وعضو الكليات الملكية البريطانية
للأطباء (لندن- أدنبره- قلاسقو)