تغالبني الشكوك وتتلبسني حالة من التوجس الاستفزازي المقلق وأعراض من المغص الفكري الحاد، كلما قرأت في الصحف وعالم «الميديا» الإسراف المضني في رص قوائم الأثرياء أو الشخصيات، وما يتبعها من «اللوازم» والإكسسوارات والمكياج والتزيينات والزخرفة وكثير من «الطاووسيات»، والأضواء المجهرة، مثل «الأقوى» و«الأبدع»..إلخ.
وسبق أن قرأت أقوى «100 ناشطة عربية»، وقبلها «أقوى 500 مدير أعمال»..إلخ.
وعرضت أسماء لا يتعدى نشاط بعضهن إدارة محلات تجارية أو على الأكثر «تكويم» الملايين وعدها، و«ربك الوهاب» كما يقول نزار قباني. وبعضهن توجت «ناشطة» و«حركية» و«قائدة فكرية»، وكل هذه الحفلة و«الطبل والزمر» فقط لأنها قادت سيارة في مدينة سعودية..!
وتتلبسني الشكوك، وهي، بالمناسبة شكوك حميدة، لأننا نعيش في سويداء عصر التحالف بين قوى المال وقوى الإعلام (التي أصبح بعضها في النهاية قوى مال)، لتضليل المتلقي المسكين وتوجيهه إما للتبعية أو لفتح شهيته وجيوبه واستلاب مدخراته وعرقه بوضح النهار، وبـ«سطو قانوني» مبين تشرعه ثقافة الاستهلاك النهاشة الغليظة الهوجاء. ولأن القوائم تهدف، أحياناً والله أعلم، إلى تعميق هذا التحالف المتوحش، وليست كلها تقوى ونزاهة وفرط مهنية.
ويمكنني أن أستثني مجلة فوربز التي أحسبها تجتهد في جعل قوائمها احترافية ومهنية. وذلك ليس مجاملة لرئيسة تحريرها، زميلتنا، المضيئة، خلود العميان، التي تستحق جائزة ماسية للاحتراف الصحفي بجدارة وبلا من أو تمنن.
وأحياناً تظهر قوائم وأفكار غريبة مثل «فارسة الجودة» التي، إلى الآن، لا أعلم ما هي معاييرها، ولم تنورنا منظمة «الأيزو» الطنانة المجيدة المتعددة المواهب، بصورة مقنعة، بهذه المعايير ولا بتفردات فوارسها المتوجين، إلا إذا كانت المعايير ترتكز أساساً إلى «الهوشات» وإطلاق النيران المحتدم في المقابلات التلفزيونية.
وقومي أصبحيني فما صيغ الفتى حجرا لكن رهينة أحجار وأرماس ـ (شاعر)
وعلى الرغم مما زرعته «القوائم» الذهبية في مخيخاتنا إلا أنها يبدو تعيد الروح والثقة، تكفيراً عن سيئاتها، وستراً لسوآتها، فإن مجلة «هوليوود ريبورتر»، الأمريكية التي تعنى بالإعلام والفن السابع والمنوعات، اختارت زميلتنا الرائعة الأخرى، نشوى الرويني، الرئيس التنفيذي لشركة «بيراميديا» ضمن قائمة «أقوى 25 امرأة» في صناعة التلفزيون عالمياً. واختارتها مجلة «فوربز ـ الشرق الأوسط»، الـ23 ضمن أقوى 200 سيدة عربية. وهذه المكانة والتتويج تكاد تغري الفتى الفاتح رمسيس الثاني أن يمسك بيد «نفرتاري» (جميلة الجميلات) أو بيد الأميرة «ماعت نفرو رع» ويخرجا، متسللين، من المتحف، ليطالبا بجائزة عالمية أيضاً.
واختيار نشوى، في رأيي، مستحق وفي محله تماماً، لأن أفكار نشوى و«بيراميديا» تتحدث عن نفسها، وتتجسد حقيقة في برامج جماهيرية احترافية وليست أفكاراً «مختلسة» من برامج عالمية، كما هي الموضة الدارجة في القنوات العربية، ولا برامج «المقاولات» الشعثاء الغبراء التي يثور «عجاجها» في قنوات «الخشاش» على طول رحلة الصعود العربية الميمونة إلى الفضاء، ولا برامج «القوالب» الجاهزة التي تنبش التناقضات والجروح وتقتات على غلس الظلمات والسوداويات والأنانيات والأوهام الشخصية، و«تُنَشِّع» على آلام البسطاء وأمنيات المطحونين.
وأملي أن يكون تكريم نشوى تشجيعا على أن يرتقي الإعلام العربي إلى الاحترافية المهنية، ويتجه إلى الانعتاق من الركاكة وسوء المهنية والابتذال والسطحيات التي تضرب أطنابها وتستعمر الإعلام العربي في الفضاء وفي مد الأرض وبِيدها.
*وتر
منذ سنابل شمس الصباح..
حتى حلكة الليل..
والبهية، الحفياء المروعة، تركض لهاثاً..
تجاوز حقول الشوك وسفوحاً ومفاوز هجير..
وتيهاً.. تتشبث بأحلامها المخطوفة..
وقلبها المكسور رهينة العتمة..
ونوبات الهلع..
إذ يذوب صوتها في دوي المدافع..
وصدى الرياح..