البرامج التي اتخذتها المملكة في مواجهة الغلو والتطرف ومنجزهما الحتمي الإرهاب، كبرنامج مناصحة المغرر بهم، وبرنامج تجفيف المنابع، وتسمية الفئات والتنظيمات التي تنتهج الفكر الضال بلا مواربة ومن ثم تجريمها، إلى جانب برامج المواجهة الاستباقية، كان من الواجب، بل من العدل والإنصاف أن تكون برامج دولية، لأن فكر الغلو لا يرتبط بجغرافيا محددة بحيث يمكن لأي دولة السيطرة عليه، ومنع تمدده، فهو في واقع الأمر مسافر زئبقي عابر للحدود والثقافات، وقادر على التغلغل والتسلل إلى أي مكان مهما كانت الحواجز. غير أن تراخي الكثير من الدول في التقاط مؤشرات التحذير التي أطلقتها المملكة، ودعتْ الآخرين مبكرا لمشاركتها العمل للتصدي لهذه الآفة، نتيجة للحسابات الخاطئة، ساهمتْ بشكل أو بآخر لفرض هذا الواقع الذي يأخذ فيه الإرهاب موقع المتن في معظم الأحداث الجارية هنا وهناك، ومع هذا فقد بقيتْ المملكة تواصل برامجها المتلاحقة لسد الثغرات أمام الفكر المتطرف، وما هذه الالتفاتة الكبرى باتجاه الشباب، والتي تمثلت ببناء 11 مدينة رياضية، ثم الترخيص لـ 17 ناديا رياضيا إلا جزء من التحصينات التي تسعى من خلالها المملكة لفتح المجال للاستثمار في الطاقات الشبابية، واستيعابها، بما يجنبها مغبة الانزلاق إما بالانحراف والانجرار إلى منزلق المخدرات، أو الوقوع بين أيدي دعاة الفكر الضال ممن يحاول استغلال أوقات فراغهم، ليختطفهم إلى عالم الأوهام بالحياة الأبدية المثلى، بعد أن يحقن عقولهم الغضة، ويستغل تدينهم الفطري، ليحولهم إلى أدوات للموت وقتل الآخرين من الأبرياء باسم الدين والانتصار للعقيدة.
ولأن المملكة ومن واقع تجربتها المريرة مع الأعمال الإرهابية على اعتبار أنها من بين أكثر الدول التي تعرضت للإرهاب تعي تماما أين وكيف يجند الفكر المتطرف أدواته، فقد تنبهتْ إلى أن الفئات الشبابية التي تقف على عتبة المراهقة هي الفئات الأكثر استهدافا من قبل تلك التنظيمات، لذلك فقد أدركت أن إيجاد البنية التحتية للمرافق الرياضية التي يمكن أن تستوعب طاقات هذه الشريحة التي تمثل النسبة الأعلى بين السكان، لم تعد مطلبا ترفيا بقدر ما أصبحت ضرورة من ضرورات حماية الشباب، وأخذهم من طريق تلك العصابات التي تريد أن تستخدمهم كوقود لمخططاتها البشعة، بعد أن تستغل تلك المساحات الواسعة في نفوسهم من الفراغ لجرهم إلى حضيضها، الأمر الذي جعل من ردم تلك الساحة من الفراغ مطلبا تربويا وتنمويا وأمنيا، بل مسؤولية وطنية كبرى لا يجب أن نستكثر ما ننفقه من أجلها، لأنها تمثل أحد أهم خطوط الدفاع الفاعلة لإبعاد شبابنا، وهم بالتأكيد الثروة الحقيقية التي يعوّل عليها الوطن عن أي طريق مشبوه قد يقودهم إلى الغلو أو إلى الممنوعات، وكلاهما وجهان لعملة واحدة هي الخراب والدمار وضرب مستقبل الوطن والأمة.
من هنا تأتي أهمية هذه المشاريع التنموية التي تتجه للشباب تحديدا، والتي توظفها المملكة ليس فقط على سبيل إكمال البنى التحتية، وإنما أيضا لتدخل في منظومة حماية ورعاية شباب الوطن، وفتح كل الآفاق والطرق المستقيمة أمامه، ليسلك السبل التي تبني عقله وفكره ووعيه كما تبني جسده، بعيدا عن كل ما يقوده - لا سمح الله - إلى الطرق المظلمة، التي يتربص بها الموت، ويسيجها الخراب والدمار.