جاءت أحكام القضاء للدفعة الاولى من المتورطين في أعمال شغب ضد الدولة ومؤسساتها وضد اجماع الأمة وضد أحكام الشرع الحنيف التي تأمر بعدم الخروج على ولي الأمر المسلم وشق طاعة المسلمين، لتؤكد نزاهتها مجددا وحرصها على وأد الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن أحكامه لم تأت جزافا أو تسرعا أو وفق ضغوط شعبية، بل مرت على لجان متخصصة ومرافعات فحصت الوقائع والاحداث واستحضرت الدلائل القطعية لتؤكد للرأي العام المحلي والعالمي وحقوق الإنسان والمنظمات التابعة لها أن لا تهاون مع الإرهاب والارهابيين أينما كانوا وبأي صورة تلبّسوا، فمن فجر قنبلة ليقتل نفسه مع أي شخص في الدولة أو رمى «مولوتوف» أو زرع لغما أو قطع طريقا أو أرهب آمنين وأخل بالأمن العام الذي ارتضاه المجتمع منهاجا لهم فهو خارج عن الجماعة، وهو قطعا دون منازع ارهابي.
وأجمعت الدساتير وفي مقدمتها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والسلف الصالح والدساتير الدولية على شرعية القصاص من الجناة دون هوادة، ولا تأخذكم فيهم رأفة في دين الله؛ لأن الشرع وأحكامه التفصيلية في حفظ حق النفس والمال والعرض والدين والأمن التي ستنتهك بأساليب متعددة وبطرق مختلفة فيما لو مكن لهم من الأحكام القطعية الثابتة شرعا ونقلا وعقلا واتفق عليها أئمة المسلمين وعامتهم من السابقين واللاحقين.
ودعونا نناقش باقتضاب ماذا عمل الوطن مع هؤلاء الإرهابيين مثيري الشغب وغيرهم حتى يحاولوا أن يقلبوا أمنه فوضى ورخاءه هدرا واستقراره عثرا؟ ألم يدرسوا في المدارس والجامعات مجانا؟ ألم ينالوا المكافآت الجامعية أسوة بغيرهم؟ ألم يحظوا بالرعاية الصحية ويُمنحوا قروضا ومساكن كغيرهم على حد سواء؟ ألم يُسخّر لهم الوطن رجال أمن يسهرون على ممتلكاتهم وأعراضهم؟
ألم يحظوا بالتنمية الزراعية والاقتصادية فيفتحوا محلات لهم و«يسترزقوا» في الوطن والبر والبحر؟ ألم يمنح الوطن صدره عاليا لكل متفوق ونجيب أن يكون عضوا فاعلا يخدم نفسه وأهله ومجتمعه ووطنه في كل المحافل دون استثناء؟ فشرع للجميع واسع الابتعاث الخارجي ونال الكثير المناصب الحكومية والخاصة بالشركات الأهلية والعامة على حد سواء، أفلا يفترض أن يكونوا مواطنين صالحين بمعنى أن يردوا احسان الوطن عليهم وعلى أسرهم وذويهم من جنسه؟ فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!! أم أن الشيطان وبكل المقاسات والأشكال والأجناس والأحجام وبكل الصور الظاهرة والمستترة قد دلّس على عقولهم وخوالجهم فتنكروا لبلاد الحرمين الشريفين وقيادتها وإجماع الناس فيها على الوحدة الوطنية وسيادة القانون، فأرادوا أن يقلبوا اتحاد الأمة «هذر مذر» والقوة الى ضعف، والنصر الى هزيمة، ويجب أن لا نغفل عن نقطة مهمة وهي التعاون مع جهات مشبوهة تريد السوء بهذا الوطن وبدستوره القرآن والسنة، فهل هذا هو الوفاء للوطن ولترابه ومقدراته؟! وأين هي المسئولية؟ وأين هو العقل؟ وأين هي الحجة لقبول التحول لشرق أوسط تحكمه وتُسيّسه أجندات مهووسة بالدم والقتل والاغتصاب؟! فهل هكذا تكون العقيدة؟ وهل هكذا يكون حب الله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم؟ وهل هكذا يكون الإسلام الذي دعا للاعتصام ونبذ الفرقة وشق عصا المسلمين؟ أيكون هكذا عشق تراب الحي وعشق ثرى الآباء والأجداد الذين خدموا وتعبوا كل في موقعه وبقدر اجتهاده على زمجرة الحاضر؟ وبالنهاية يأتي الإرهابيون ويعبثون بأنابيب النفط وبالمراكب الامنية وبالمرافق الخاصة ثم يقولون نحن نحب، فكيف نجمع بين متضادي العطاء والتخريب، وبين الإحسان والخيانة، وبين الفضيلة والدناءة، وبين سمو الأخلاق والعلو، وبين ما دون ذلك؟!!
وقبل الختام، ندعو الله المانع القوي أن ينصر قضاتنا ويوفقهم للخير ويبعد عنهم الشر والفتن ويكتب على أيديهم صلاح ونجاة وفلاح الأمة.. آمين.
اللهم من أرادنا أو أراد ديننا وعقيدتنا ومليكنا وقيادتنا ووطننا وشبابنا ونساءنا ورجال أمننا ومقدرات وطننا ورخائه بسوء أو نية فاسدة فاجعل تدبيره تدميره، ورُدّ كيده في نحره أنى وكيفما شئت بقوتك وعظمتك يا قادر، يا جبار، والحمد لله رب العالمين.
* أستاذ مشارك المناهج بجامعة الدمام