في بدايات القرن التاسع عشر، نفّذ عدد كبير من العمال الإنجليز هجمات متكررة على آلات المصانع الحديثة في نوتينغهام البريطانية. كان هؤلاء العمال يعبّرون بذلك عن مناهضتهم لفكرة استبدالهم بالآلة الصناعية الجديدة، خصوصاً المتصل منها بالغزل والنسيج. شكّلت هذه الآلات الحديثة في تصورهم آنذاك مصدراً حقيقياً للتهديد بزوال مهنتهم ومنبع رزقهم. لذا، وبعد سنوات من الصمت والترقب، أحيوا ما قام به عامل اسمه (نيد لود) من تهشيم عدد من الآلات الصناعية البسيطة في نهايات القرن الثامن عشر، ومن هنا اتخذ اللوديّون اسمهم في المجتمع البريطاني في القرن التاسع عشر.
لم يعلم اللوديون حينها أن المستقبل يحمل لأبنائهم فرصة التحول إلى فنيين ومهندسين صناعيين يتقاضون أجوراً مجزية في القطاع العام، وأن بعضهم سيتقاضى أرقاماً خيالية في القطاع الخاص. كما لم يتخيلوا أن عملية التطور الصناعي في بلادهم هي العصا السحرية التي ستجعل من أوطانهم دولاً عظمى منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم! أخفق اللوديون تماماً في إدراك أن كل ما كانوا مطالبين به هو تطوير ذواتهم بما يتلاءم ومستجدات المرحلة.
ولهذا الزمن لوديّوه الجدد في كثير من مجتمعاتنا العربية! فهم المنافحون دوماً عن مخاوفهم والمستعدون لتوجيه هجمات بالعصيّ والحصى واللفظ تجاه ما يجهلون.. وهنا تكمن المفارقة دوماً! وفي الحالة السعودية، لن ينسى ضمير المجتمع السعودي الحديث ما ثار من لغط حول أجهزة الهاتف النقال المزودة بكاميرا، ولن ينسى ما حدث قبلها من هجمات على أطباق استقبال القنوات الفضائية، كما لن يغيب عن ذاكرة هذا المجتمع ما تتخذه بعض العقول من مواقف لوديّة تجاه كل متغيّراتنا المعطّلة بسبب مخاوف لا يمكن الجزم بحقيقة وجودها.
ولك أن تعلم أيضاً أن هناك لوديين في المجتمعات الغربية إلى يومنا هذا! فقد تجد عضواً في الكونغرس الأمريكي لا يخجل من التصريح بمخاوفه من جهاز الآيباد على طلاب المرحلة الابتدائية في ولايته، بعد أن أقرت الولاية استخدامه في بعض المدارس! ولكن عدد اللوديين الجدد في تلك المجتمعات لا يقارن في كل حال بما لدينا من لوديين في المجتمعات العربية. وهناك أسباب جوهرية خلف هذا الحضور الكبير والمتجدد للوديين في مجتمعاتنا، منها: تراجع الاستقلال الفكري، استغلال العاطفة (كأن يغرد أحدهم في تويتر عن شرور الإنترنت ومساعي الغرب لتدمير عقولنا، تأتي تغريدته هذه عبر موقع في الإنترنت ناهيك عن أن من ابتكره غربي!).
من المفاتيح المهمة لشبابنا لمعرفة النزعة اللوديّة في التفكير والسلوك، وتفادي تأثير أصحابها عليهم، هي مراقبة حجم التناقض.. هذا سوف يجعل من خلاصك من هؤلاء مهمة سهلة.