عندما طلب مني أن أكتب في صفحة متخصصة في العمل التطوعي، لم أفكر في الموضوع الذي سأكتبه بقدر ما كنت مشغولا بالقلم الذي سأكتب به!.
فالتطوع عمل ملهم لا يختلف على حبه اثنان، مشهد شباب في شوارع الحي يقومون بعمل مضن دون إلزامهم بذلك، لا بد أن يكون مشهدا استثنائيا يستحق التوقف عنده كلوحة فنية عالية القيمة.
أو مشهدا لفتيات يواجهن صعوبة التنقل وبعد المسافة لخدمة فئات اجتماعية محتاجة، ويعرضن أنفسهن لاحتمالات كثيرة من الخطر أو عدم تقبل المجتمع، يعملن بتفانٍ مذهل كخلية نحل في منتهى الانسجام والانضباط.
إنها نقلة اجتماعية كبرى في المفاهيم وإعادة تشكيل الأدوار بين أفراد المجتمع، فالعمل التطوعي هو نتيجة لعشرات الأفكار الايجابية والقيم الكريمة التي جسدته واقعا، وهو في اعتقادي لم يقتصر على تغيير الواقع بل أصبح قناة تحمل رسائل كثيرة للشباب والنشء والمجتمع وحتى المسؤولين وصناع القرار، تحملها بطريقة غير مباشرة وبأسلوب القصة الشيقة والتمثيل على الأرض، فعندما نقول: إن الفن الهادف يجب أن يحمل معاني ذات قيمة فإن التطوع أكثر فاعلية من الفن لأنه هو بذاته قيمة عالية، وقادر أن يحمل قيما أخرى وأن يبني قدوات اجتماعية ملهمة تحث الشباب خاصة والمجتمع عامة على البذل والعطاء. في الكوميديا نضخم الواقع ليكون أكثر بروزا ونضفي عليه كوميديا ليسهل تقبله، فعندما تضحك سيكون لديك قدرة لتقبل أي شيء دون حساسية أو تشنج، وهنا يأتي دور القيم عند الفنان، هل يستغل الوضع لإرسال رسائل ذات قيمة، ويضاعف الفائدة ويساهم في نشر الوعي وتعزيز القيم عبر الكوميديا، أم يكتفي فقط بالضحك، وبالمناسبة الضحك هدف له قيمته أيضا، فالخروج عن المألوف وكسر الروتين يخفف وربما يمتص كثيراًً من الضغوط اليومية ويدعم الصورة الايجابية للحياة، ويحتوي مشاكل الحياة بطريقة تسهل من حلها أو قبولها والتكيف معها، فالضحك فن معقد، فكم هو سهل أن تشد أو تغضب أو تثير الناس، لكن من الصعب أن تضحك واحدا، فما بالك بجمهور عريض متنوع لكل فرد منه طريقته الخاصة في التقبل والفهم والمزاج. وفي التطوع يحاول المتطوعون أن يصغروا أحجام أعمالهم، بل يمكن أن يتعدوا ذلك لاخفائها في الظل، وتجد المخلص يخجل من التعريف به وتكريمه، بل يهرب من منصات الثناء، أعمالهم لا تتوقف على امتصاص الضغوط الاجتماعية، بل تحاول بفعالية لمنعها ومعالجة أسبابها من الجذور. المتطوع هو فنان يتقن فن العطاء.