"لاري هيستر" يُبصر النور في الولايات المتحدة الأمريكية بعد 30 عاماً من ملازمة العمى إثر زراعة محفز إلكتروني في عينه اليسرى مؤخراً، فالحدث لم يكن عادياً أو هكذا يبدو عند الكثيرين ممن لازمهم هذا الظلام القسري دونما إرادة، فلو تجاوزنا قليلاً حدود البُعد الإعلامي للحدث وحرفيته التي صورته في حجم ثورة وصلت به سريعاً إلى كل سكان الأرض، رغم زحمة الأخبار العالمية التي لا تحمل لمتابعيها سوى الغثة والتعب النفسي، فالخبر كما يظهر يُبشر بفتح علمي جديد لمن قُدر عليهم العمى ويصل عددهم حالياً حوالي 45 مليون أعمى، ناهيك عن ضعاف البصر في كل العالم وعددهم 135 مليون إنسان غالبيتهم في الدول النامية، بل إن هذه الأعداد ماضية في التزايد، حيث يُقدر عدد مكفوفي العالم في العام 2020م حوالي 75 مليون شخص، هذا خلاف جملة الإعاقات والأمراض الأخرى التي تفتك بالبشرية وتهدد مستقبلها ومستويات النمو والإنتاج فيها، ورغم ارتباط التقدم الطبي ومستويات تحسن الصحة العامة في المجتمعات بالموارد الاقتصادية ومعدلات الاستثمار ودعم أبحاث التقنيات الطبية وصناعات الأدوية والعقاقير، إلا أن هناك "مافيا" عالمية تتحكم في توجهات الشركات المصنعة للأدوية، وفي توجيه الموارد المالية نحو ما يحقق صالحها دون النظر في الجوانب الإنسانية لطبيعة عملها، بل حتى منظمة الصحة العالمية لم تسلم من تدخل تلك المافيا العالمية الشرسة التي تُهيمن على صناعة الدواء وتسيطر على قنوات صناعته وتسويقه واحتكار مكوناته بدوافع تجارية، دون أن تلتفت إلى الجوانب الإنسانية في مهمتها وطبيعة عملها؛ ولعل أقرب دليل على ذلك هو ضلوع منظمة الصحة العالمية في تسويق الرعب بين الناس لجائحة انفلونزا الخنازير في العام 2009م وتواطئها مع صناع الأدوية لتضخيم الحدث وضمان التسويق؛ فالمهم هو العائد للحسابات وحملة الأسهم مثلها كمثل صناع السلاح وتجاره، فكثيراً ما نسمع عن التخويف والتهويل من توجهات الطب البديل أو اللجوء إلى الطب الشعبي والذي يحرم جيوب المستفيدين من موارد إضافية، رغم أن الكثير من الأدوية في أصلها يعود إلى أعشاب وتركيبات طبية عالمية قديمة موروثة من ثقافات الهند والصين، وحتى العرب بتاريخهم وبحوثهم الطويلة في هذا المجال؛ ولكن هي الهيمنة الغربية التي تحتكر جل تجارة الدواء في العالم؛ وفي أحد اللقاءات كان الحديث موسعاً عن تجربة "لاري هيستر" وهناك من الحضور من اعتبر إعلان خبر إبصاره تسويقياً بالدرجة الأولى، وربما يكون مدفوعا من الشركة المصنعة لتقنية العدسة الإلكترونية، وهو ما يهب بالكثيرين من فاقدي البصر للتوجه نحو الشركة؛ أملا في تحقيق ما ناله السيد هيستر من معطيات تعد لهم حلماً مغيباً دون أن يعوا حقيقة الأمر وأبعاده الإعلامية والتجارية، عموماً مرضى العالم رغم ألوف كليات الطب والمستشفيات في نواحي العالم يواجهون "مافيا" تتاجر بمعاناتهم وأناتهم وبمرأى ومسمع من الجهات الرسمية التي لم تسلم أيضاً من النافذين لتمرير هذه التجارة وتوجيهها، لذلك يستلزم استقراء الحدث الطبي للسيد هيستر التأني والمعالجة الموضوعية والحيادية، حتى لا يندفع فاقدو البصر نحو سراب يستهدف سلب جيوبهم فقط دون أن يقدم لهم الأمل في إبصار النور.