جهود أمانة المنطقة الشرقية مقدرة، ولا يمكن أن يمر عليها المراقب دون أن تلفت انتباهه البصمة التي أحدثت تغييرا كبيراً في المنطقة بأسرها، ولكن التطوير الحضري في حاضرة الدمام يحتاج لمزيد من الجهد والتخطيط والنظر الى عشرين أو حتى خمسين عاما في أحشاء المستقبل، فما يتعلق بتنظيم الخدمات البلدية لا يمكن أن ينجز لحل مشكلات بمنهج طارئ وإنما يستوعب احتمالات النمو العمراني والسكني لأعوام مقبلة، وقد عانت الدمام في تنظيم أحيائها وطرقها وشوارعها بسبب قصور التخطيط البلدي وعد الوضع في الاعتبار التمدد الذي يمكن أن تشهده باعتبارها مدينة متطورة وإحدى مدن الطاقة العالمية ومدينة رئيسية بين مدن المملكة، إضافة الى جوارها لدول الخليج العربية التي تتوسع عمرانيا وتنمويا بصورة مطردة ما يوفر الحافز والدافع لتواكب ذلك.
قد يضيق المجال أمام المخططين في الأمانة في الوقت الحالي، وسيتعاملون مع أمر واقع ضاغط لا يمكنهم السيطرة عليه بأكثر مما يفعلون حاليا، ولكن من المؤكد أن هناك حلولا فنية وجريئة يمكن ابتكارها، وذلك يعني إزالات واسعة والدخول في عمليات مقايضة وتبادلات وإحلال وإبدال في المباني والأراضي، وذلك مكلف بالتأكيد ولكنه العلاج المرير، لأن المستقبل على هذا النحو سيكون أكثر ضغطا وقد يدفع للتعامل مع كامل الدمام القديمة بتكلفة أعلى بكثير من التكلفة التي يمكن وضعها حاليا، لأن المدينة تصعد تنمويا بسرعة كبيرة قد تجد الأمانة نفسها عاجزة عن السيطرة على الأوضاع الخدمية أو متخلفة عن بقية المدن الجديدة والمتجددة.
وقد وقفت اخيرا على تحقيق في هذه الصحيفة عن منطقة معارض السيارات في حاضرة الدمام، والتي وصفها التحقيق بأنها «في الوقت الحالي في أسوأ حالاتها، فيما يتعلق بعشوائية التنظيم وبطء اعمال المقاولين في اعادة تأهيل بعض الشوارع والخدمات، فالمستثمرون متضررون من سوء خدمات البنى التحتية، اما المتسوقون والزائرون للمعارض فعليك أن تبحث عن أقرب حراج لبيع سيارتك، وإلا ستصاب بأضرار جسيمة، فدون أن تعلم تجد نفسك بين فكي حفرة عميقة او مستنقع مائي يصعب عليك الخروج منه، وبالتالي عليك التوجه الى أقرب معرض لبيع سيارتك او التوجه الى الصناعية لإصلاح الاضرار».
ولم ينكر التحقيق جهود أمانة المنطقة الشرقية في السعي الى تطوير حاضرة الدمام وجعلها مدينة عصرية، ولكن تأسيس بيئة حضرية حديثة على هذه الأوضاع أشبه بما يقال «ما بني على باطل فهو باطل» والخروج من خلاصة ذلك التحقيق يتطلب إعادة النظر في مجمل الخريطة الكلية للحاضرة، لأني أضيف اليه ما سبق وأن تناولته حول بعض الصعوبات في الخدمات البلدية بأحياء الدمام، وهناك الأحياء القديمة يزداد الحال فيها سوءا، فضلا عن إهمال النفايات وسوء المخارج والمداخل وضيقها، وإلقاء السيارات القديمة في أطراف الطرقات وغير ذلك مما يضيف الى أعبائنا الحضرية ما ينبغي أن نعمل بصورة علمية لتفاديه وتجاوزه بصورة حاسمة.
أمام أمانة المنطقة الشرقية مسؤوليات كبيرة لاستعادة الدمام لوضعها الحضاري المتمدن، وهي بحاجة الى نقل خبرات وتجارب المدن العالمية التي تنافسها، ولا تنظر الى التجارب الإقليمية وإنما تقتدي بسدني الاسترالية وأوتاوا الكندية وغيرها من المدن الكبيرة، وحينها ستجد حلولا دائمة ونهائية لمشكلاتها ومشكلاتنا، أما بحسب ما يجري حاليا فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع حضري، وكأننا ندور حول أنفسنا في دائرة مفرغة.