منذ مقتل الجندي البريطاني لي رجبي خلال شهر مايو الماضي على يد مواطن بريطاني من أصل نيجيري اعتنق الإسلام مؤخراً في ظروف غامضة، ارتفع العنف ضد المسلمين في الدول الغربية، ووصل العنف بسبب الكراهية الدينية في بريطانيا إلى أعلى مستويات منذ العام 1981م وبزيادة تصل إلى 45%.
بل إن الإحصاءات الصادرة عن مكتب الإحصاء القومي البريطاني أكدت على تفاقم كبير في الجريمة بسبب الدين، ورجح بأن حادثة مقتل الجندي البريطاني هي السبب، وكان المواطن البريطاني النيجيري الأصل مايكل أديبولاجو قام بقتل الجندي البريطاني الذي شارك في حرب أفغانستان دهساً بسيارته نهاراً ثم قام بإخراج ساطور وقطعه أمام المارة في الشارع داعياً إلى تصويره.
وحينما تم القبض عليه أعلن أن السبب الوحيد الذي دفعنا لقتل هذا الرجل هو أن المسلمين يُقتلون يومياً على أيدي جنود بريطانيين من بينهم المقتول، مشيراً إلى أن المسلمين وبريطانيا في حالة حرب منذ اجتياحها لأفغانستان، وأن عمله بذلك عمل حربي مشروع.
بعيداً عن تفسير أسباب الحادثة وهل هي مجرد عمل إرهابي بسبب فهم خاطئ للإسلام أو عملية استخباراتية كما ألمحت قناة الجزيرة القطرية في تحقيقها الأخير والذي بثته الاثنين الماضي، وما أشيع مؤخراً حول محاولات تجنيده وتنقلاته المثيرة للشبهة بين عدة دول.. فإن الإعلام الغربي اليوم من خلال تقديم الصور المرئية لقتل الغربيين في العراق وسوريا ودول أخرى، بالإضافة إلى التغطية المكثفة للسلوك السيئ لبعض المسلمين والذين خرجوا من معسكرات التدريب أو من صلب الحياة الغربية ليساهموا في تشويه صورة المسلمين، أصبح يقدم مادة تفوق الوصف ليس أسوأ منها إلا ما تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي من مقاطع إجرامية منسوبة للمسلمين.
وعلى سبيل المثال فإن متابعة شخصية للصحافة البريطانية على مدى ثلاثة شهور ماضية تشير إلى المساحات الكبيرة التي أفردت للأحداث الإرهابية التي تحدث في الشرق الأوسط وتركيزها على أعمال داعش والقاعدة أو ما ينشر باسم الدولة الإسلامية، وهو ما يُثير التساؤل حول حقيقة ما تقدمه هذه الجماعات للإسلام والمسلمين؟.
أتساءل عن حجم تأثير هذه الصور والمشاهد على الإسلام الذي يمثله مئات الملايين من المسلمين المسالمين في بلدانهم، وعشرات الملايين من المسلمين في الغرب والذين يقومون بأعمال عظيمة في المجالات العلمية والإنسانية العامة ويقدمون مثالاً لأخلاق المسلم وسماحة الدين.
إلا أن الصورة البارزة اليوم ومنذ حادثة 11 سبتمبر هي صورة العربي والمسلم الإرهابي الرافض للحياة المدنية والحضارة، والذي يقتل بلا رحمة، ومن الصعب تغيير هذه الصورة خاصة مع التغيرات الإقليمية الأخيرة، أو حتى مناقشة منشأ هذه الجماعات التي أشرفت الاستخبارات الأمريكية على صناعتها لتقاتل عوضاً عنها المد الشيوعي، فيما لم يعرف قبل ذلك التاريخ حالة مشابهة تجاه غير المسلمين.
(حتى الجماعات المسلحة التي شهدتها الدولة الإسلامية مثل الخوارج وغيرها، كان هدفها تغيير نظام الدول الإسلامية دون غيرها، وبالتالي يمكن اعتبارها حركات سياسية داخلية، وذلك لصعوبة إقناع المسلمين بتشكيل مجموعات مقاتلة تستخدم العنف ضد المدنيين، بينما يكفل الإسلام حقوق سبايا الحرب ومدنيي الدول المحاربة).
لكن دخول القاعدة مسرح الأحداث في سوريا والعراق لم يكن إيجابياً أبداً، بل وأدى إلى إضعاف التعاطف الدولي المؤيد لمدنيي تلك الدول، بل وربما مثّل ذريعة للتدخل الدولي، فبعد أن كانت قضية السوريين قضية ذات تأييد شعبي دولي وكانت المطالب عالمية لحكومة الأسد بإيقاف آلته العسكرية عن المدنيين، تحولت بفعل فاعل إلى حصر القضية في خطورة التمدد الإرهابي، وهو ما أساء إلى تلك الشعوب بقدر ما أساء إلى الإسلام والمسلمين.
ولا أعرف هل يعترف الشبان الذين خرجوا للانضمام لمعسكرات الجماعات المسلحة في الشام والعراق والدول الأخرى بالأثر الخطير الذي أدخلته القاعدة إلى معادلة ما سُمي الربيع العربي، وهل يقرأ المجندون الجدد أخبار العالم أو يشاهدون ما يحدث لعشرات الآلاف من إخوتهم في الغرب والذين زادت المخاطر التي تحيط بهم إلى الضعف كما تشير الإحصاءات.
ولعل مقتل المبتعثة السعودية على برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي ناهد المانع بعد أسابيع قليلة من مقتل الجندي البريطاني وما أعقب ذلك من حوادث في أمريكا ودول أخرى دليل على أثر تسعير الجماعات التي تعتبر نفسها جهادية لكراهية الغرب تجاه العرب والمسلمين، وما تلحقه بأذى لمشروع نشر تعاليم وسماحة الدين دون أن تحقق إلا الأذى للدول المضطربة.
* عضو مجلس إدارة آفاق الإعلامية- كاتب ومستشار إعلامي