لا أستطيع الجزم بمدى رضا وزارة العمل بإنجازاتها منذ بداية تطبيق برامجها وعلى رأسها نطاقات التي لطالما أشار المراقبون للشأن الاقتصادي إلى خطورتها على المدى البعيد مع التسليم بأنها ستحقق نتائج وقتية عاجلة لا ينبغي الرهان عليها.
وعندما سمعت تصريح نائب وزير العمل السعودي لإحدى القنوات المصرية من أن هدف الوزارة تخفيض البطالة إلى النصف، بينما تشير معدلات البطالة إلى زيادة تعود بمؤشر الفرص الوظيفية السعودي إلى العام 2012م، وبينما أرقام البطالة ظلت مراوحةً مكانها منذ مدة طويلة مع بعض التغيير (الخطر) الذي أحدثته نطاقات على ديموغرافية الوظائف.
وبرأيي فإن خطورة التغيير الذي طرأ على ديموغرافية العاطلين عن العمل على المدى البعيد، يمكن تلمسه من خلال تحليل الأرقام الأخيرة التي حملها تقرير الوزارة، والتي تشير إلى انخفاض البطالة في الأوساط الأمية وشبه الأمية (القراءة والكتابة)، وملامسة المستويات الجامعية وما فوقها نسبة 44% من مجمل البطالة، ثم الثانوية العامة بنسبة 37% فيما نسب الأميين وشبه الأميين وخريجي الابتدائية والمتوسطة مجتمعين 8%.
هذا التغير منتظر فهو نتيجة طبيعية للضغط الذي تمارسه الوزارة على القطاع الخاص بالتركيز على الكم في توظيف السعوديين، وتراجع طموحها في الضغط باتجاه الكيف أقصد استيعاب السعوديين في وظائف أعلى ورواتب مجزية، واكتفت بمكافأة غير مجزية، وكثير من المراقبين يفسر تراجع الوزارة عن مسارها لأسباب تتعلق بوصول القطاع الخاص إلى مستوى لا يتحمل مغامرات جديدة.
وبمعنى آخر فإن معدل مخرجات التعليم الجامعي التي تشهد تزايداً ملحوظاً فوق معدل زيادة النمو السكاني السنوي مهددة بالتفاقم في ظل تواصل برنامج نطاقات، والأسوأ من ذلك فإن حرمان السعوديين من المناصب العليا يزيد من صعوبة السعودة التي ستكون بمثابة المهمة الثقيلة لغير السعوديين الذين يتربعون على المناصب القيادية.
مع هذا فإن حديث معالي نائب الوزير مؤخراً يعني أن الوزارة لا تزال تراهن على برنامجها بالرغم من فشله في تحقيق النسبة المخطط لها والمضمنة في الخطة التنموية التاسعة، والتي تمثل نصف المحقق بنهاية العام الميلادي الجاري، وهو ربما ما كان يشير له التصريح، لكن هذا النوع من التصريحات يعطي انطباعاً عن ابتعاد مسؤولي الوزارة عن الواقع.
ففي حين ارتفع الرقم الإجمالي للعاطلين من العام 2012م ولم ينجح نطاقات في تحقيق خفض ولو 1% في نسبة البطالة مقارنة طوال السنوات الأربع العجاف الماضية التي مر بها القطاع الخاص في المملكة، فمن غير المنتظر تحقيق ستة أضعاف هذا الرقم في الستة شهور الأخيرة من هذا العام، بل إن العدد سيزداد مع استمرار رهان الوزارة على برنامجها.
القطاع الخاص ببساطة متشبع بفعل (نطاقات) بوظائف (السعودة) في أسفل السلم الوظيفي، وأغلب الشركات في المملكة تعتمد موازنات متحفظة ولا تجازف في النمو، بينما أغلق البعض الآخر أو ينتظر، وحتى جهود المملكة في استقطاب الاستثمارات الخارجية يواجه إحجام الشركات عن المغامرة في الدخول للمملكة في ظل المناخ الطارد الذي خلقته الوزارة.
والاكتفاء بكسب الأرباح عن بعد من خلال تواجدها في دبي أو مدن خليجية أخرى، باعتبارها أقل كلفة من المغامرة في العمل في ضوء برامج الوزارة، وأود هنا الإشادة بالطرح الموضوعي الذي أبداه الدكتور جون سفاكياناكيس في مقالته (كان الله في عون وزارة العمل) الذي نشرته صحيفة اليوم مؤخراً، بخصوص تقييمه لجهود وزارة العمل التي تفتقر إلى "التحليل المتعمق" كما يقول.
فمن غير المنطقي أن يبلغ الفارق بين المستهدف والمحقق أكثر من النصف بالرغم من الصلاحيات الكبيرة وغير المسبوقة التي منحت للوزارة، وبالرغم مما سببته برامج الوزارة من تباطؤ في نمو القطاع الخاص، بصورة لم تمكنه من الاستفادة من الطفرة التي طرأت على أسعار النفط منذ العام 2011م على الأقل، لكن هذه النتيجة من وجهة نظر الملامسين للشأن الاقتصادي الداخلي منطقية ومتوقعة.
فشروط وعصا الوزارة الثقيلة (نطاقات) التي بطشت بالقطاع الخاص، وكما جاء في إحصاءات معهد ماساتشوستس للتقنية التي أشار لها مقال الكتور جون أن هذا البرنامج تحديداً أرغم الشركات الخاصة على توظيف 96 ألف عامل سعودي دون هدف خلال الشهور الستة عشر الأولى، وتسبّب في إغلاق نحو 11 ألف شركة، وقلّص التوظيف الكليّ في الشركات التي حافظت على بقائها، بينما تراجع التوظيف في مجمل القطاع الخاصّ بواقع 418 ألف عامل.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك آلاف المواطنين المعتمدين على (مقابل الكفالة) لتحقيق دخل لهم، والذين انضموا مؤخراً إلى عداد البطالة، وآلاف المؤسسات الفردية الصغيرة التي لم تتمكن من تحقيق أي منافسة في ضوء شروط نطاقات، فإن أعداداً متزايدة من البطالة من المنتظر أن تضغط على ما يتحيه السوق الوطني من فرص وظيفية شحيحة في ظل أجواء كهذه، والسؤال متى تعترف الوزارة بفشل نطاقات وتبحث عن بديل ناجح.
*عضو مجلس إدارة آفاق الإعلامية -كاتب ومستشار إعلامي