التركيز هو من القضايا التي أثرت في الشعوب والأفراد على حد سواء، وقد تحدث عن أهمية ذلك (أبو الإدارة الحديثة) بتير داركر في أكثر من موضع في كتبه، ويشهد له الواقع بذلك. لقد كانت فكرة التركيز هي من الأسباب الرئيسية لنهوض دول كثيرة مثل اليابان وكوريا، حيث ركزت اليابان على الصناعات، وكوريا على التعليم.
مبدأ التركيز هو أن تختار فكرة واحدة فقط وتطبقها مرة بعد أخرى حتى تصبح مثل الغذاء والهواء، ولابد أن تحلم بها في حال اليقظة والمنام، وفي كل صباح ومساء.
ولكني هنا أريد أن أطرح فكرة وأود أن تتبناها كل مدارس المملكة حتى الابتدائية منها، وقد تبدو غريبة نوعا ما ولكنها فعالة لتنمية عقول الطلاب لأنها سوف تؤثر على مستقبلهم، وبالتالي على مستقبلنا جميعا. الفكرة هي أن الخيال أهم من المعرفة، وهي كلمة مشهورة للعالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين. والسبب وراء اختيار وتبني هذه المقولة، أن كل ما نراه من حولنا من اختراعات واكتشافات كان خيالا وفكرة. واسمحوا لي أن أعرض عليكم بعضا من الأمثلة لقوة وبراعة تلك المقولة.
انتقال الموجات اللاسلكية عبر الهواء كان يعتبر أوهاما وخيالا، بل ان صاحبها أودع المصحة النفسية حتى تنازل عن الفكرة مؤقتا، ثم أصبحت فكرته الخيالية من أهم عوامل الاتصالات الحديثة أنه الإيطالي غوليلمو ماركوني مكتشف الموجات الكهرومغناطيسية (المذياع) والإبراق اللاسلكي.
ودعوني اضرب لكم مثلا آخر وقد يكون سخيفا في عصرنا ولكن في زمنه كان خيالا أهم من المعرفة. لقد كان هناك شخص يسمى وستنجهاوس يفكر بإيقاف القطار عن طريق مكابح بضغط الهواء
(والذي نعتبره اليوم شيئا بديهيا) ولكن تلك الفكرة اعتبرت في وقتها مضحكة ولا تستحق حتى التفكير فيها!، ولكن بعد مدة من الزمن أصدر قانون فيدرالي يلزم شركات السكك الحديدية باستخدام هذا الاختراع الجديد، فأين الذين كانوا يضحكون منه بالأمس لقد نساهم التاريخ!.
وددت أن أنبه إلى أن رفض الأفكار الخيالية قد يأتي من أناس نعتبر أن لهم عقولا راجحة، ولكن هم أيضا قد يقعون في نفس المنزلق ويرفضون الأفكار الجديدة. أرسل شاب اسمه «فيلتون» إلى نابليون الداهية أن لديه آلة تستطيع أن تجعل السفن تسير بعكس اتجاه الريح (الخيال أهم من المعرفة) فرد عليه نابليون: بأنه ليس لديه وقت يضيعه مع المهووسين!! . تلك الآلة كانت سوف تغير مجرى تاريخ نابليون وفرنسا ألا وهي اختراع المحرك البخاري.
الآن السؤال المهم كيف نطبق فكرة الخيال أهم من المعرفة على الطلاب. من الاقتراحات أن يكون هناك درس واحد في الأسبوع فقط لا أكثر مخصص لعالم الخيال والأفكار. هذه الفترة أو درس الخيال لابد أن يكون غير تقليدي حيث يطرح الطالب أو الطالبة أي فكرة يريد حتى ولو كانت خيالية ومجنونة. ثم في كل درس بعد ذلك نفرز هذه الأفكار ليتفق الفصل على فكرة ينافس فيها باقي الفصول. وفي نهاية كل سنة تكون كل المدرسة تنافس على مستوى المملكة. المهم في ذلك أن كل طالب له فرصة أن يشارك حتى ولو كان من غير الذين نعدهم متفوقين أو موهوبين، وحتى ولو كان كسولا وأشعث أغبر، وهنا بيت القصيد!، حيث سنجد الآلاف من الطلاب المتفوقين والموهوبين في مختلف المجالات الذين لم نكتشفهم بعد.
الخيال أهم من المعرفة وهو المستقبل، وهو الذي يمكن أن يضع الجيل القادم في مصاف الدول المتقدمة وفي زمن وجيز، أليست الفكرة التي أطرحها اليوم هي خيالية، وغدا تصبح حقيقة وواقعا ملموسا!!. م. الهندسة الميكانيكية