وأخيراً دخل نجم الملاعب الخلوق ماجد عبدالله فضاء تويتر. يوم الثلاثاء التاسع من الشهر التاسع للعام الحالي. تيمناً برقمه الذي كان يحمله أثناء مشواره الرياضي. وهي خطوة ضرورية كان لا بد لقامة محبوبة بحجمه أن تحدث قبل هذا التاريخ بسنوات. لا لأنه أحد رموز الرياضة وحسب، بل لأنه أنموذج للإنسان المبدع الواعي المتسامح المتواضع، الذي يخفف وجوده في هذا الفضاء المليء بالتعصب والحقد والكراهية من الاعتراك والاحتراب.
بالهدوء ذاته الذي يتمتع به في الملاعب افتتح حسابه بتسع تغريدات استهلالية. فبعد البسملة، عبر عن سعادته بوجوده في موقع التواصل الاجتماعي. ورحب بكل من يتابعه وشكرهم باعتبارهم مشروع صداقة وتواصل. ثم شرح سبب قراره في دخول تويتر، المتمثل في الحد من كثرة الانتحالات لشخصه، والإساءة من خلال ذلك الانتحال لرموز يحترمها ويحبها. وعلى هذا الأساس جاء قراره. أي بعد أن اتضحت له الصورة واكتملت قناعته، حسب تغريداته.
وبذات الإيقاع الهادئ استكمل تغريداته التي جاءت على صورة بيان في عدد من النقاط المدروسة بعناية. حيث حدد أهدافه باستراتيجية معلنة للإسهام في خدمة أفراد المجتمع. ودعم برامج المسؤولية الاجتماعية، وتقديم المبادرات وتبنيها. وذلك عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل المتاحة. لينهي بيانه بالتعبير عن شكره وامتنانه لشركة البعد الاحترافي ومنسوبيها. الذين قدموا له الدعم الفني والتقني. كما أعلن مسؤوليته التامة عن كل ما يُطرح في حسابه. متوجهاً بالشكر أيضاً إلى كل من حضر حفل التدشين وكل من تابعه.
إذاً، لم ترد في تغريدات النجم الكروي المشهود له في الملاعب أي إشارة لكرة القدم. لا لتاريخه الشخصي ولا لما يحلم بتأديته في المستقبل كرياضي. فمن يقرأ التغريدات التسع بمعزل عن اسم ماجد عبدالله، لن يصدق أنه إزاء حساب لأسطورة رياضية. حيث حطم الأرقام القياسية لمواقع التواصل الاجتماعية بمجرد أن أُعلن عن تدشين حسابه، وبعدد متابعيه بعد أول تغريدة، إذ بلغ عدد (الريتويت) لتغريدته الأولى عشرات الآلاف. وسيتصور أنه أمام إنسان عادي يحاول أن يتواصل مع الآخرين.
ومن الواضح أن المضامين الاجتماعية التي اختزنتها تغريداته تشي بطبيعة الرسالة التي أراد إيصالها لمرتادي تويتر. وهنا يمكن أن تُثار حزمة من التساؤلات حول مغزى نأيه بنفسه عن مضمار الرياضة. وتقديم نفسه ككائن اجتماعي يحمل أهدافاً ورسائل إنسانية. فهل يعني ذلك أنه لا يريد التورط في مهاترات الملاعب!؟ وهل سيرضى جمهور ماجد بماجد المحايد الذي لا يعلق ولو بتغريدة على أي حدث رياضي!؟ أم أن المبادرات التي أعلن عن رغبته في تبنيها ستكون من صميم الأحداث الرياضية!؟ وهل سيوكل إدارة حسابه لشركة البعد الاحترافي بدون أن يحضر هو بوعيه وانفعالاته ومزاجه!؟
إن ماجد عبدالله شخصية اعتباريه لها وزنها الجماهيري، وحضوره المتأخر في هذا الفضاء يختلف عن حضور شخصيات مغرمة بالشهرة والإعلام من مختلف الحقول. ويمكن له هنا أن يؤدي دوراً يتناسب مع سمعته الكروية والأخلاقية في الملاعب. إذ ما زال يراكم المزيد من المعجبين حتى بعد اعتزاله. وهو أمر نادر الحدوث. كما أن سجله الرياضي يشهد له بالمناقبية. بمعنى أنه لا يفتعل المواقف الطهورية، ولا يجيد البهرجة الإعلامية، ولم يكن في يوم من الأيام في وارد المزايدات. وهو ما يعني أن تلك روحه الفائضة بالإنسانية هي شخصيته بدون تزوير ولا تصنُّع.
وبقدر ما نتمنى أن يحقق أهدافه الاجتماعية المُعلنة، نتمنى ألاّ يكون سلعة دعائية لمبادرات صورية. وهو الذي عانى كثيراً لكي لا تُستثمر شهرته وصورته في مناسبات ومواقف لا يرى نفسه فيها. وبالمقابل نتمنى أن يكون لماجد رأيه الفني الصريح إزاء ما يحدث في الملاعب. فهو ليس مجرد لاعب سابق، بل خبير بمهارات كرة القدم وفنونها. ويمكن أن يقول من خلال تويتر ما لا يمكن قوله في الفضائيات.
المطلوب من ماجد في تويتر أن يعود للملاعب مرة أخرى، ليُمتع ويُبهج بآرائه وتحليلاته. وألاّ يهاب من المتعصبين الذين يريدون إشغاله بالهوامش. فهو أوعى وأذكى من أن يتورط في أوحال الشتم. فمن نجا بجسده وأعصابه وضميره وروحه خلال مشواره الرياضي المديد من خشونة أشرس اللاعبين، يمكنه بسهولة أن يتفادى المتعصبين والمستفزين.
إن تغريداته التسع المقتضبة، تشبه تمريراته البارعة التي يجيد تأدية فروضها داخل الملعب. وهي لا تختصر استراتيجية حساب ماجد. بل هي أقل بكثير مما نتوقعه منها. لأننا على موعد مع بانوراما من الصور الخاصة التي لم تُنشر. وعلى مقاطع من سيرة نتمنى أن تُكتب. ومع مواقف وذكريات وآراء تقول ما لا نعرفه عن ماجد ونتوق لمعرفته بلسانه. لأن ماجد أكبر من أن يوصف بلاعب معتزل.