بعد أن رأت الشعوب أثر الطيش المتلبس بالدين، وكيف يستميت في سبيل ما يسميه حقا، وهو على الباطل بشحمه ولحمه، ربما علم بذلك؛ لأنه خطط بإجرام، وربما جهل؛ لأنه مندفع بعاطفة دينية شفافة، ولم يجد من يأخذ بيده إلى النصرة الحقيقية لدين الله تعالى، و(الجهاد المشروع)، الذي يشمل كل أوجه الحياة، وليس في ميادين (القتال) فحسب، وربما اندفع بعاطفة إنسانية؛ حين يرى التدمير، والقتل، بالبراميل المتفجرة، والصمت العالمي المقصود، وهو يرى أن المتضررين إخوانه وأخواته، وعليه نصرتهم شرعا، فلا يستأذن أبا ولا أما، ولا يستفتي عالما، ولا يأتمر بأوامر أولياء أمره وقادة بلاده، ولا يسأل عن الراية التي سيلحق بها؛ (لأنه يجهل أحكام ذلك كله)، بل يقتحم أراضي القتال بكل حماسة، وهناك تتلقفه أياد مجهولة، وتدربه على أفانين الموت، وهي تغرس فيه الحقد على المخالفين، والطاعة العمياء لأمراء الجهل، وفي وقت قصير يقنعونه بكل رؤاهم، وأهدافهم؛ ليتحول إلى جندي مطيع، يستجيب لطلباتهم، ولو أن ينصهر في صهريج من البارود، لأنه بهذا يجد أنه حقق شيئا مما يصبو إليه.
السؤال: لماذا ينجح أولئك القوم في استيعاب هذا الشاب خلال فترة يسيرة جدا، وكيف ينقلب رأسا على عقب؛ فيصبح نسخة منهم: شكلا، وحديثا، وأهدافا، ومصيرا؟!
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا
هكذا قال شاعرنا العربي قديما، فالشباب حين يكونون فارغين من المحتوى المقنع، فإنهم سيكونون جاهزين لمن يملأ أوعيتهم بما يُشبع لديهم الرغبة في الإسهام في حل المشكلات الكبرى، والمصائب العظمى، التي تلتهم الدول التي تحيط بهم، فإذا هُمشوا تماما، فإنهم سينطلقون ـ جهلا منهم ـ حين يجدون أي مسرب، وسيستجيبون إلى أية دعوة، فليست القضية وجود من يغريهم، ومن يشجعهم، ومن يغرر بهم فقط، ولكنه الفراغ الذي تضج في ردهاته أصداء الاستغاثات المصحوبة بالصور المستفزة على الشاشات، والمواقع.
من هنا، فنحن اليوم في حاجة إلى دراسة أساليب جديدة في التعامل مع الشباب، بحيث نزيد من التوعية الشرعية الوسطية، المقبولة في طرحها، وليس تلك المتطرفة في الطرح في الطرف الآخر، القائمة على الاتهامات، والبحث عن المثالب، وإلا فلن يقبل منا الشباب.
نحن في حاجة إلى تخصيص أوقات كثيرة للاستماع إلى أولادنا في البيوت، وإلى طلابنا في المدارس والجامعات، وإلى شبابنا في الأندية والمجمعات العامة، نستمع أكثر مما نوجه، مبتعدين عن الألفاظ والأوصاف والألقاب والشتائم التي أصبحت غير مقبولة في الأسماع، بل نطرح قضايا الإسلام ناصعة هادئة، ونناقش أسئلة الشباب بموضوعية، ونكشف لهم ما وقع فيه المتحمسون دون وعي منهم، مع إبداء الرغبة الشديدة في العودة بهم إلى الرشد وإلى طريق الإسلام النقي المعتدل.
ينبغي أن تزيد الوزارات ـ جميع الوزارات بلا استثناء ـ من دعم الأقسام المعنية بالتوعية الدينية، ويكون لها إسهام في زيادة تعميق مفهوم جمال الإسلام في العبادات والمعاملات، والتحذير من الموبقات، وفي الألفة والوحدة، والطاعة لولاة الأمور في المعروف، وحب الوطن الذي يستحق أكثر من أي وطن آخر أن يفدى بالنفس والمال والولد.
كما ينبغي حماية البلاد والعباد من كل فتنة؛ من طبيعتها ألا تصيب الذين ظلموا خاصة، بل تعم الجميع ـ لا قدر الله ـ وذلك بإلجام الأقلام التي تسيء إلى الدين ونصوصه ورموزه الكبرى؛ كالقرآن والسنة، والتوعية بسوء أثر الذنوب، وإشاعة الفواحش، والظلم، والفساد الإداري؛ لأنها من أبرز دواعي غضب الرب ـ عز وجل ـ كما أنها من أبرز مشعلات فتيل الفتن، كفانا الله شرها.
* مدير مركز التنمية اﻷسرية باﻷحساء