التسوّل من السلوكيات البشرية السلبية التي تدفع الحاجة الشديدة اليها، أو الطمع الأشد، وفي هذه الحالة يتحوّل الى الوجه الإجرامي القبيح الذي يؤذي المجتمع ويقدّم صورة سيئة عنه، وهو في الواقع يتناسب طرديا مع أي جهد للمنظمات الإنسانية والخيرية التي متى عملت بكامل طاقتها فإن ذلك يقلل من الأثر السلبي لذلك السلوك.
في المملكة لدينا كثير من الموانع الاجتماعية لارتكاب ذلك، فنحن مجتمع كفاية وتقدم مؤسساتنا الخيرية التابعة للشؤون الاجتماعية كافة الخدمات والمطلوبات الحياتية الأساسية للمحتاجين بحيث ينبغي أن يمتنع الفقراء عن السؤال، وقياسا بما تقدمه تلك المؤسسات والدولة بشكل عام يفترض ألا يكون هناك متسول حتى بين الوافدين الذين أصبحوا يشكّلون النسبة الأكبر بين المتسولين في المملكة.
في تقرير أخير للشؤون الاجتماعية انخفاض عدد المتسولين السعوديين بنسبة 23%، وذلك جيد خاصة مع إشارة التقرير الى أن عدد الجمعيات الخيرية الرجالية بلغ 570 جمعية والنسائية 39 جمعية فيما الرجالية والنسائية 19 جمعية، ولكن السؤال الذي يظل مطروحا: لماذا يوجد متسولون وسط السعوديين؟ اعتقد أن حمل لقب متسوّل بالنسبة لمواطن أمر غير مقبول، وتسأل عنه الشؤون الاجتماعية.
مجتمعنا قائم على قواعد وأسس تمنع سؤال الناس، اللهم إلا إذا تعاملنا مع القضية في وجهها الإجرامي الذي يطمع فيه بعض الفقراء بأكثر مما تمنحه لهم المؤسسات الاجتماعية والخيرية والضمان الاجتماعي، وبعيدا عن تلك الجريمة دون أن نتهاون فيها أعود الى تسوّل الوافدين الذي اعتقد أنه غير منطقي تماما، فهؤلاء وفدوا الى بلادنا للعمل فيها والحصول على أرزاقهم من خلال الكسب الشريف، وإذا لم يتح لهم ذلك فعليهم المغادرة لا أن يتغرّبوا من أجل التسوّل وسؤال الناس إلحافا.
ليس متصورا أن يهاجر الناس من أجل أن يتسوّلوا، وحين يحدث ذلك فإنه خطر على كثير من أنظمة أمننا الاجتماعي والاقتصادي، لأن التسوّل في هذه الحالة يصبح جريمة ناعمة في ظاهرها وخشنة عنيفة في باطنها، وتفتح علينا جميع أبواب الشر المغلقة التي نحمي منها مجتمعنا وتبذل الدولة جهدها من أجل الحياة الكريمة لمواطنيها والمقيمين فيها بطريقة نظامية ويمثلون إضافة لنا تشاركنا التنمية بعقولها وسواعدها.
وحين لا يبقى للوافد سوى سواعد يمدها للمسألة تنتهي أغراضه وعليه المغادرة لأنه عندما لا يحصل على ما يكفيه ويكافئ غربته من المؤكد أن يصاب بحالة إحباط ويأس تجعله منفتحا لأي جريمة كالسرقة والاعتداء والدخول في متاهات أخلاقية وجرائم غسيل الأموال وغير ذلك من الجرائم التي يمكن أن تخترق شخصيته الضعيفة عندما يكون بلا عمل في غربته، فنحصد نحن نتائج بشعة.
أضيف الى ذلك أن المنظمات الدولية تراقب وتبحث عن ثغرة في نظامنا لتنفد منها، فلماذا نمنحها ثغرة مجانية، يتم استعراض عضلات حقوقية فيها دون وجه حق وكأن هؤلاء مواطنون منسيون في بلدنا، ولذلك نأمل أن تنشط كل جهة معنية بمكافحة التسوّل من أجل القضاء على هذا السلوك غير الحميد والعمل على ترحيل كل مقيم غير منتج لأنه مع احترامي للكثيرين الذين تقطّعت بهم الأسباب سيصبح بعضهم مشروع مجرمين يجب حسم أوضاعهم بصورة عاجلة ومنهجية.
* باحث اجتماعي