جمعني مرة مجلس ببعض زملاء الدراسة الذين فرقتهم ظروف الحياة ومشاغلها، فتطرق الحديث كالعادة لتلك الأيام الخوالي، المدرسة والمدرسين الذين كنا نظن أنا نسيناهم:
المعلم فلان!! الله يرفع قدره ويعلي ذكره، استفدنا منه الكثير، وما زال بعضنا يتواصل معه، ويرى أنه ما زال طالباً لديه!
أما المعلم فلان فلقد كنا نكرهه في تلك الأيام لصرامته وشدته، ولكننا اليوم -يوم أن نضجت عقولنا– أصبحنا ندعو له لا عليه!
وأما الآخر فكانت الحصة الدراسية حديثاً عن بطولاته وأمجاده وفريقه الرياضي الذي يشجعه، وقد كان الطلاب يتفننون في تضييع الحصة بفتح جزء من الموضوع ليكمل هو الباقي، وفي نهاية العام تأتي الحلول الإبداعية التي يدفع الطلاب ثمنها في المراحل المتقدمة (حذف من المنهج، ملخص..)!
ولم يكن لدينا جوالات وتويتر وواتس وإلا لكان انشغال بعض المعلمين بها عن الحصة قصة أخرى!
مهنة التربية والتعليم مهنة العظماء حديثها ذو شجون، وآلامها وآمالها كثيرة ومتعددة، فأعان الله أهل التربية على مسئولياتهم العظيمة.
إن المعلم يدرّس طلاباً هم في الحقيقة كاميرات تسجل عليه كل حركة وسكنة، وتضعه في منزلة سامية، وتطالبه بالمحافظة عليها، يصنع تاريخ طلابه كما يصنعون هم تاريخه، وهو ليس موظفاً عادياً ينتهي عمله بنهاية دوامه، بل صاحب رسالة وهدف، لا يحده عقد، ولا يبحث عن ثغرة في نظام، ولا يربط عمله بمكافأة مقطوعة ولا بشهادة تقدير ورقية، يرى أن مكافأته أكبر من ذلك وأعظم، وبذلك تنتهي همومه وتقل متاعبه، ويرى أن كل ما يصيبه من أذى في سبيل أهدافه النبيلة هو هيّن سهل.
كما أنه بحاجة لتطوير قدراته بصورة مستمرة، ليواكب هذه التغيرات العصرية المتلاحقة في جميع المجالات، فجيل اليوم ليس جيل الأمس، ومن جلس على أمجاده القديمة يحرث فيها ويدفن، ودرسه اليوم هو درسه قبل سنوات، فضح نفسه وأضحك عليه الخلائق.
يقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه (قصم ظهري رجلان: جاهل متنسك، وعالم متهتك، ذاك يغرّهم بتنسكه، وهذا يضلهم بتهتكه)
أعانك الله يا مربي الأجيال على الأمانة!