ها هي السنة الدراسية الجديدة تقبل خفيفة على من كان في شوق لها وأحسبهم قلة، وأما الأغلبية فيتمنون أن تمتد بهم الإجازة كالنعيم الذي لا ينقطع ولكن هيهات، فلكل شيء في هذه الحياة بداية ونهاية. وقد كنت يوما طالبا مثلهم وأعرف كيف يشعر هؤلاء وهؤلاء، وذلك لأني مررت بالتجربتين معا، تجربة المنتظر للدراسة بشوق، وتجربة المتذمر منها، وقد تسألون كيف يكون ذلك؟.
عندما درست على النظام التقليدي المعروف كنت لا أتمنى أن يأتي اليوم الدراسي أبدا لأن الأساليب كانت مملة ومكررة إلا من بعض المدرسين الذين كان لهم جهد شخصي في تحبيب المادة وهم قلة ممن عرفت. وإضافة إلى ذلك كانت المواد كثيرة والمناهج طويلة ودسمة، وليست مثل هذه الأيام حيث المواد الدراسية قليلة وخفيفة الهضم ومع ذلك يشتكون منها!، ولكن يبدو أن لكل زمان مناهجه.
أما المرحلة التي كنت أحب فيها الدراسة فهي مرحلة الثانوية، وقد كنت طالبا بالنظام المطور، وكنا أول دفعة يطبق عليها النظام الجديد. وقد كنا نختار المواد وجداول المحاضرات، ونوزعها على الأوقات التي تناسبنا، واعتقد أن ذلك النظام كان مفيدا جدا لنا ليس فقط من الناحية العلمية، بل كان النظام يشعرك بمبدأ اختر وتحمل مسؤولية اختيارك. وقد كانت أبواب المدرسة مفتوحة فما كان يتسرب منها أحد إلا القليل جدا، والبعض الآخر كان يخرج لحاجاته الضرورية.
وبهذه الخبرة البسيطة المتواضعة التي عرفتها حين كنت طالبا أحببت أن أتطرق لموضوع تعاملنا مع الطلاب والطالبات فيما يسمى بمرحلة المراهقة، وإن كنت أفضل كلمة شاب وشابة على كلمة مراهق أو مراهقة.
أولا: نحن نفهم معنى المراهقة غلط، لأننا نتعامل معها على أنها مسوغ لأخطائهم، فنردد في كثير من الأحيان مقولة «لسا صغير يكبر ويفهم». بينما معنى كلمة مراهق في اللغة العربية هو الاقتراب من الشيء، بمعنى اقتراب الشاب أو الشابة من مرحلة النضج في الجسم والعــقل والنفــس، ومن هذا المنطلــق لابد أن نعاملهم على أنهم يعقلون أقوالهم وأفعالهم وما ينتج عنها.
ثانيا: تعليمهم تحمل المسؤولية ولكن بالتدرج، وذلك بتكليفهم ببعض الأعمال سواء في البيت أو خارجه. المسؤولية هي أفضل درس في الحياة نقدمه لهم لأنهم في هذه المرحلة يريدون أن يثبتوا للآخرين وجودهم وشخصياتهم. أضف إلى ذلك أنها سوف تشغل تفكيرهم عن سفاسف الأمور والتي يتمنى جميع الآباء لأبنائهم الابتعاد عنها. ولا بد أن يعلم الآباء أن الأنظمة الاجتماعية الحديثة هي التي خلقت بيئة المراهق وهي تتحمل أيضا جزءا كبيرا عن أزماته. واعتقد أن ذلك جلي وواضح من خلال النظر إلى أجيال سابقة كانت تتحمل المسئولية كاملة في نفس المرحلة العمرية تقريبا.
ثالثا: اختيار التخصص الدراسي هو من ضمن مسؤولية وشخصية الطالب، وليس من اختصاص الأبوين أو المدرسة أو أي شخص آخر. مهمتنا تكمن في إعطائهم الخيارات والخبرات التي نملكها، لأني أؤكد لكم قطعا أننا إذا اخترنا لهم ما نريد تعسفا، فلن يروا الإبداع أبدا في التخصص الذي اخترناه لهم، بل ستصبح كل مادة ومحاضرة غما وهما وشقاء.
إن مقياس نضج السلوكيات ليس بالضرورة يكون بالعمر؛ فكم رأينا من كبار يتصرفون كأنهم مراهقون، وكم رأينا من مراهقين ولدوا كبارا!!.