لم أعد أحتمل حالات الهلع والكوابيس ومرارة الحسرة وقلة الحيلة التي تصيبني جرّاء مشاهدة الصور والمقاطع الدموية التي يتم نشرها من حين لآخر، لهذا كتبت قبل أيام تغريدة على حسابي بـ «تويتر» بأن أي شخص سيقوم بوضع صور قتلى ودماء وجرحى دون التنويه عن وجودها.. فسأقوم بإلغاء متابعتي له فوراً. ببساطة لا أجد فائدة تذكر بالنسبة لي من متابعة قطع الرؤوس والتعذيب والتفخيخ والهدم والدمار، ولم تعد لدي القدرة ولا الرغبة أيضاً في إيلام ذاتي ومعاقبتها على قصر اليد.. العجز.. الخوف والمذلة.
فتنظيم «داعش» مثلاً.. يستخدم أعلى مستويات الترويج لذاته ابتداء من الأزياء ذات اللون الأسود والشعار الذي يرفرف فوق الأعلام والسكاكين و البنادق، إلى تسخير مواقع التواصل مستعينين بالصورة كلغة بصرية فاشية، بحيث يوجهون الكاميرات نحو ما يريدوننا أن نراه فقط، ويديرون رؤوسنا نحو الاتجاه الذي يتحكمون به في أعصابنا.
إنهم يتّكئون على أغلب البشر الذين يعشقون الفرجة على أفلام الرعب ولقطات اللحم والدم والسلخ والكتلات الهلامية والتخثّرات، والذين يأكلهم الفضول أيضاً لدرجة إعادة سماع الشتائم والاستعلاءات والتهديدات ليتأكّدوا بأنفسهم من كل التفاصيل مهما كانت بشاعتها، فكل شيء في الصورة حاضر ومباشر وبديهي وغير قابل للشك.
ويبدو أن حادثة الصحفي الأمريكي «جيمز فولي» جعلت «تويتر» يقوم بإضافة فقرة هامة إلى شروط الاستخدام تقضي إلى حذف صور الأشخاص المتوفين وذلك فقط إذا طالبت عائلاتهم بذلك. مما دعا الموقع إلى إلغاء الحسابات التي تعرض صورًا أو مقاطع لعملية إعدام الصحفي بعد أن أصدرت عائلته تصريحاً ترغب فيه من الجميع احترام خصوصيتهم بعدم إعادة نشر مقطع الإعدام.
في ذات الوقت تماماً أطلقت الناشطة الليبية «هند» التي تقيم في قطر هاشتاقاً بعنوان ISISmediaBlackout#. وذلك كمساندة لما قام به «تويتر»، وكذلك كفرصة بعدم إعطاء تنظيم «داعش» مساحة إعلامية للانتشار والتغلغل، مما جعل هذا الهاشتاق يتحول فيما بعد إلى هدف هام يبقي التنظيم في عتمة إعلامية وظلام دامس، كما يقطع الطريق على توسعته لا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي.
* للأسف نحن لا نستطيع أن نمحو ما شهدناه أو نحذفه من ذاكرتنا حتى وإن كنّا قد تعرضنا له بمحض صدفة وليس بمحض إرادة، كما لا نستطيع أن ننقلب على الصورة ولا الريموت كونترول ولا القنوات ولا الانترنت، لأنه يعرض علينا وقائع العالم بحرارته ومآسيه ويجعلنا في قلب الحدث الذي نرغب أن نتواجد فيه دوماً.. سواءً كان ذلك من باب الفضول أو حتى من باب المشاركة والاهتمام والمسؤولية. إنما الخوف كل الخوف أن يحدث هذا التواؤم والألفة مع تلك المشاهد الدموية لتتحول شيئاً فشيئا لأمر عادي داخل عقلنا غير الواعي، فنتوارثها جيلا بعد جيل كالجينات والبديهيات.. مما يجعلنا ندور في فك الإرهاب الذي يلوكنا ويعلكنا.