الحدث الجديد الذي أضيف للمشهد الليبي العام مع مطلع هذا الأسبوع تمثل في إغارة طائرات حربية على مواقع في محيط مطار طرابلس قيل إنها تابعة لقوات عملية فجر ليبيا وقامت بتدمير أطنان من الذخيرة. يأتي هذا التطور بعد دعوة البرلمان الليبي بشكل واضح كل الفصائل المسلحة على الأرض الليبية بوقف الأعمال العسكرية في المدن وأماكن التجمعات السكانية وربما هذا القرار كان من أول قرارات مجلس النواب، وهو في غاية الوجاهة والأهمية ولكنه ينقصه التنفيذ حيث لم تستجب الفصائل المتحاربة في طرابلس وبنغازي لتحذيرات المجلس كما لم يستجب أحد للتلويح بالعقوبات على الميليشيات ومن يقودها بالمتابعة القانونية في الداخل والخارج.
البرلمان الجديد كان محل ترحيب عارم عندما بدأ يتشكل قبل أشهر، وزاد من الشعور بأهميته الاغتباط الإقليمي والدولي ببروز هذا الكيان السياسي ليحقق على الأرض الأمن والاستقرار وأولى خطوات بناء الدولة في ليبيا ولكن التفتت السياسي والشعبي لم يكن بعيدا من المجلس حيث بدأت خلال الأسابيع الماضية تبرز بوضوح انعكاسات أزمة عدم الثقة بين الليبيين على البرلمان حيث شهدت عدد من الحواضر في ليبيا مظاهرات ضد البرلمان الوليد من حيث شرعيته والنصاب العددي الذي انعقد به والمقر الذي تسلم مهامه فيه، التصعيد الذي ربما لم يكن يخطر على بال بعض الأعضاء الجدد في البرلمان جاء من المقاطعة القبلية والمناطقية التي أُعلنت من أكثر من جهة للبرلمان بعد أن أدرك أن تحقيق شكل من التعافي الأمني في ليبيا وتوفير حماية معقولة للسكان المدنيين لن يتأتى إلا عن طريق المعونة الأممية والتي تعني في احد أوجهها مساعدة بصورة ما من قبل المجتمع الدولي عبر آليات تضمنها الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية ولكن يبدو أن حالة الانقسام الليبي تسير في اتجاه واحد على ما يبدو نحو التصعيد. ويؤكد هذه الرؤية تجدد القتال العنيف في طرابلس خلال الأسبوع الحالي لدرجة أن أصبحت الأحياء التي تكتظ بالمدنيين عرضة للقذائف والقنابل والصواريخ وأصبحت العاصمة مُصدرة للمهجرين والنازحين إلى المدن المجاورة، وتحدثت الأرقام عن أعداد تقدر بعشرات آلاف غادروا العاصمة الملتهبة والخالية من مظاهر الحياة والخدمات الأساسية.
الصواريخ التي ألقتها الطائرات العسكرية على مخازن للأسلحة لا تبعد كثيرا عن منطقة المطار أدخلت الحكومة الليبية المؤقتة والبرلمان الجديد الذي أصبح بعض الليبيين يصفونه ببرلمان طبرق إعلانا لازدرائهم له ولبعض مواقفه كما أدخلت المراقبين لما يحدث في ليبيا في دوامة من الغموض. وذلك لان المعلومات التي توفرت بعد الضربات العسكرية مباشرة إشارت إلى أن من قام بذلك جهة مجهولة، مما جعل البعض يتجه بتفكيره مباشرة إلى الفكرة التي تطفو على السطح في ليبيا منذ أشهر وأعني بها فكرة التدخل الأجنبي، مفسرين أن الجهة تلك هي الولايات المتحدة الأمريكية، أو دول الناتو، وان وقت التدخل الأجنبي قد حان في ليبيا ولم يبق لليبيين إلا تجرع الدواء المر. ولكن الركون للفكرة السابقة لم يدم طويل حيث أعلن الجيش الوطني الليبي مسؤوليته عن العملية وتحدث ناطق سياسي يمثل عملية الكرامة التي يقودها اللواء حفتر وأعلن تفاصيل عن تنفيذ العملية ونوعية الطيران الذي استخدم فيها وحقيقة المواقع المستهدفة، لكن الاضطراب والغموض زادا بعد تصريح مضاد من نفس المصدر ومن ناطق باسم الجيش الوطني بعدم علم الجيش الوطني بأي شيء حول العملية وانه يخلي مسؤولية الجيش الوطني الليبي من تبعات ما يحدث على الأرض!
الحكومة المؤقتة عكست بجلاء حالة الارتباك التي تعم كل شيء هناك بعدم علمها بشيء مما يحدث وإنها ستحقق في الموضوع. بالرجوع إلى الوراء قليلا نجد أن الاحداث المتسارعة واستخدام أدوات القتال بدل الحوار واللقاء والتشاور بين الليبيين يجعل البرلمان الوليد والحكومة المؤقتة أو أي حكومة سواء حكومة إدارة أزمة أو غيرها تنبثق عن البرلمان مستقبلا ستكون بصورة مباشرة تحت رحمة عمليتين تتنازعان السلم والأمن في ليبيا هما عملية الكرامة والتي تعلن أنها نابعة من الجيش الوطني الليبي، وبين عملية فجر ليبيا التي تعلن أنها تمثل الثوار الحقيقيين وتسعى لحماية أهداف ثورة السابع عشر من فبراير٢٠١١م بعبارة أخرى البرلمان والحكومة والمدنيون في مواجهة الطوفان حتى يقضي الله أمرا كان مفعولاً.