تشكل القوة البشرية الوافدة في منطقة الخليج العربي نسبة عالية من العاملين في المنطقة. وبالرغم من أن النمو السكاني في دول الخليج العربي يتراوح بين 2-3% سنويا، فإن ازدياد أعداد الوافدين يتراوح بين 6-8% سنويا، أي ثلاثة أضعاف الزيادة السكانية. وقد بلغ تعداد السكان المقدر للعام 2014 لمجلس التعاون بما في ذلك الوافدون 51 مليون نسمة، ويبلغ الوافدون فيها تقريبا نصف ذلك العدد. وتتراوح نسبة الوافدين إلى السكان من 87% كما هوالحال في قطر، إلى ما يعادل ثلث العدد كما هو في المملكة العربية السعودية، التي يبلغ تعداد الوافدين فيها أكثر من 9.2 مليون نسمة بخلاف المقيمين والعاملين بصفة غير مشروعة. وتعتبر المملكة رابع دولة في العالم من حيث عدد الوافدين فيها بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وألمانيا. وتأتي دولة الإمارات في المركز الخامس بتعداد 7.8 مليون وافد. بينما تشكل دول الخليج العربي مجتمعة ثاني منطقة في العالم للوافدين.
بناء على المسح الذي أجراه موقع غالف تالينت (GulfTalent)، يبدو أن منطقة الخليج العربي مقدمة هذا العام مقارنة بالعام الماضي على صعود كبير في توفر الفرص الوظيفية لتصبح منطقة استقطاب متميزة للكفاءات في العالم، وذلك نظرا للنمو الكبير الذي يشهده القطاع الخاص والذي يتطلب زيادة مرتفعة في عدد الوظائف. فقد أصبحت قطر والسعودية والإمارات تقود صنع الوظائف في الخليج العربي. وتأتي قطر في المقدمة، حيث إن 75% من شركاتها تخطط لزيادة عدد موظفيها هذا العام (مقارنة بـ 41% في 2013). وقد يكون للنمو الضخم في مشاريع البنية التحتية في قطر والتي يعكسها جزئيا التحضير لكأس العالم في العام 2022م، أثر واضح في هذا النمو المتوقع. ويلي ذلك الشركات التي تعمل في السعودية والإمارات حيث إن 63% و 57% من شركاتها على التوالي تتطلع إلى خلق وظائف جديدة هذا العام. وبالرغم من بعض المشاكل الأمنية، فإن 30% من الشركات في البحرين ترغب في زيادة فرص العمل لديها هذا العام مقارنة بنسبة 9% فقط في العام الماضي.
وبالرغم من أنه ليست هناك أعداد دقيقة حول عدد الوظائف التي سوف تستحدث ولا طبيعتها، إلا أنه يبدو أن سوق العمل في حاجة ماسة لكثير من المواهب والمهارات التي يمكن تلبيتها من قبل الكفاءات الوطنية من دول المجلس.
ويتصدر قائمة توفر فرص العمل قطاع الضيافة (الفندقة والسياحة) وقطاع بيع التجزئة، بنمو غير مسبوق، حيث من المتوقع أن ما يقارب 60% من الشركات في هذين القطاعين تخطط لزيادة حجم التوظيف لديها في العام 2014. ويُعزى الصعود في قطاع التجزئة للنمو السكاني السريع في المنطقة ودخول بيع التجزئة إلى مزيد من المناطق النائية. بينما تَصدرَ قطاعا الرعاية الصحية والاتصالات قائمة التوسع الوظيفي في العام الماضي بنسبة 80%.
وتحتل العمالة الوافدة ذات المهارات المتدنية حوالي 80% من وظائف القطاع الخاص بدول مجلس التعاون. وفي تقرير لصندوق النقد الدولي، أنه إذا استمرت حصة المواطنين من الوظائف في الدول الست كما هي، فإن هذه الدول بحاجة إلى توفير حوالي 600 ألف وظيفة جديدة في القطاع الخاص لمواطنيها بحلول العام 2018. كما أن هذا العدد من الوظائف لن يغطي أكثر من ثلث إلى نصف القوى البشرية الوطنية الداخلة إلى سوق العمل، حيث إن أكثر من 8% من الوافدين في العالم والبالغ عددهم أكثر من 200 مليون يعملون على أراضيها.
ويبدو أن المملكة العربية السعودية هي أكثر دول المجلس نشاطا في إعادة هيكلة سوق العمل لديها بما يخفف من البطالة الموجودة بين المواطنين ويحد من تكاثر العمالة الوافدة، وبالذات العمالة التي تعمل بشكل غير قانوني. وقد رمت الدولة من خلال تطبيق برنامج نطاقات، الذي كانت نتائجه أقل من المأمول، إلى زيادة فرص التوظيف في القطاع الخاص، حيث إن التوظيف في القطاع العام قد يجعل ميزانية الدولة أكثر عرضة للتأثر في حال انخفضت أسعار النفط. وقد غادر المملكة نتيجة تطبيق برنامج نطاقات أكثر من 200 ألف وافد غير قانوني. بينما بقي ما يقارب مليوني وافد مؤهل لم يصححوا وضعهم بعد. إلا أن الكويت وعمان قد نجحتا من بين دول المجلس في تحقيق زيادة معقولة في نسبة تشغيل المواطنين في القطاع الخاص خلال العقد الماضي.
وكما أن وجود هذه الملايين من العمالة غير الماهرة يشكل عبئا على البنية التحتية، ويقلل الفرص الوظيفية أمام قطاع واسع من المواطنين، فإن النزيف المالي المتمثل بالتحويلات المالية للوافدين إلى بلدانهم، يرهق الاقتصاد المحلي وينزف موارده. وتبلغ التحويلات المالية السنوية للوافدين في مجلس التعاون أكثر من 80$ بليون. ويشكل هذا المبلغ حوالي 20% من التحويلات العالمية البالغة 400$ بليون. وتحتل المملكة المركز الثاني عالميا في التحويلات النقدية للوافدين، بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع النمو السريع في أعداد الشباب الذي يتراوح بين 3-4% سنويا، فمن المتوقع أن تكون هناك زيادة تبلغ أكثر من مليون ونصف مواطن خليجي، سوف يدخلون سوق العمل بحلول العام 2018 (حسب تقرير صندوق النقد الدولي للعام 2013). كما أن معدلات البطالة في العمالة الوطنية تجاوزت 10% في بعض دول المجلس ووصلت إلى حوالي 30% في فئة الشباب (19-25 سنة)، مما يصعب معها معالجة الوضع مع مرور الوقت إن لم توضع الحلول المناسبة.
وفي المحصلة، ليس أمام دول مجلس التعاون سوى البحث عن سبل ووسائل لتطوير مواردهم البشرية الذاتية، قبل أن يصبحوا أقلية في أوطانهم الأصلية، نتيجة تزايد وجود الأيدي العاملة الأجنبية بوتائر متصاعدة. ولا بد من وجود قناعة بأن هذا الاختلال في سوق العمل لا يؤثر فقط على الوضع الاقتصادي للمنطقة، ولكنه أيضا يسبب اختلالا في توازن التركيبة السكانية ويحرم أبناءنا من العيش الكريم. ولا بد من خطة عملية جريئة وجذرية تعمل على استيعاب القوة العاملة الوطنية في القطاعين العام والخاص. وتبدأ هذه الخطة بتبني منهج علمي يعالج أصل المشكلة وليس أعراضها أو نتائجها. وتكون التهيئة مبكرة تبدأ من دراستهم في المرحلة الابتدائية، لتكون مخرجات التعليم متوائمة مع حاجات ومتطلبات سوق العمل الحالية والمستقبلية.