أصبح بقاء المرأة السعودية رهينة المنزل والمشاركة المحدودة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية حديثاً من الماضي، فبعد ما يقارب نصف قرن أو يزيد من انطلاق التعليم النظامي للبنات في كافة أرجاء المملكة حاضرة وبادية، وصولا ًإلى التحاق مئات الآلاف من البنات بالتعليم الجامعي وحصولهن على أعلى الشهادات من داخل المملكة وخارجها، بل ومزاحمتهن للشباب في مختلف التخصصات العلمية وفي مقدمتها التربية والتعليم والطب والتمريض والتقنية وغيرها، مما مكنهن أيضاً من المشاركة بفاعلية في تلبية احتياجات سوق العمل وأدى إلى تثبيت أقدام المرأة، ليس في مجالات الوظيفة العامة الحكومية فقط، بل وفي مؤسسات القطاع الخاص الذي تعدت فيه العشرات إن لم تكن المئات من النساء مرحلة الوظيفة إلى بروزهن كسيدات أعمال يمتلكن رأس المال والخبرة اللازمة لإدارة المشاريع، بدءاً من المشاريع الصغيرة التي قد تعتمد على قروض المؤسسات والجمعيات الخيرية والنسائية، وصولاً إلى رئاسة مجالس إدارة الشركات الكبرى كما هو الحال في شركة العليان وعبد الله فؤاد وغيرهما من الشركات القابضة الكبرى.
وغدا من الطبيعي أيضاً أن يمتد هذا الدور إلى مؤسسات العمل الخيري والتطوعي ومؤسسات المجتمع المدني كافة التي تشارك فيها المرأة بنجاح مشهود جنباً إلى جنب مع أشقائها الرجال، بل وتقدم إبداعاً وتحرز نجاحات واضحة للعيان، خاصة وأن هذه المجالات هي الأقرب إلى طبيعة المرأة ودورها وميولها النفسية والوجدانية، وقد ساعد المرأة على النجاح في هذه المجالات كافة التحول الملموس الذي شهده المجتمع من حيث النظرة إلى عمل المرأة ودورها ووظيفتها، حيث لم يعد هذا المجتمع يتقبل عمل المرأة فقط، بل أصبح يقدر هذا الدور ويشجعها عليه ويهيئ لها سبل وظروف النجاح، وهو أمر لم يكن ممكناً ولا متوقعاً منذ وقت غير بعيد نسبيا، حيث تتفاوت النظرة إلى مثل هذه القضايا من مكان إلى آخر في بلادنا المترامية الأطراف والمتعددة الأحوال، وهو نجاح يستحق أن نحافظ عليه، بل ونحرص على تحقيق المزيد منه، لا سيما أن الوعي بأهمية هذا الدور قد اقترن بوضوح الرؤية من حيث الموقف الشرعي من مشاركة المرأة في سوق العمل ضمن محددات وشروط يسهل تحقيقها عندما تصدق النوايا.
ومع ذلك ومن خلال التجربة الميدانية القصيرة نسبياً، فإننا إذا أردنا أن نعزز هذه النجاحات ونحافظ عليها فلا بد من اتخاذ بعض الإجراءات التي لا بد منها لتتعمق وتتعزز مشاركة المرأة الاجتماعية والاقتصادية، والتي يعني تعطيلها تعطيل الكفاية الإنتاجية لنصف المجتمع وما يترتب على ذلك من سلبيات وأضرار لا تخفى، فقد تبين على سبيل المثال من خلال إتمام المرحلة الثالثة من تأنيث محلات المستلزمات النسائية أن 65000 امرأة استفدن من سعودة وتأنيث وظائف هذا القطاع يعانين من صعوبات تتعلق بطبيعة العمل من حيث ساعات الدوام أو مسؤوليات وواجبات الوظيفة ومهاراتها.
وكذلك المواصلات والحاجة لتوفير حضانات لأطفال الأمهات منهن أثناء عملهن وغيرها من المصاعب التي تستدعي أن تتولى دراستها الجهات ذات العلاقة، وخاصة وزارات العمل والشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم والمؤسسة العامة للتعليم التقني والمهني وحتى وزارة الداخلية وصندوق الموارد البشرية والغرف التجارية والشركات الكبرى وغيرها من الجهات التي يمكن أن تضيف جهداً يؤدي إلى تحقيق الأهداف التي نتطلع إليها جميعاً، بحيث تعمل فرق متكاملة على دراسة كافة الصعوبات والعقبات واقتراح الحلول التي تتغلب عليها، بل ووضع الحوافز التي تجذب مزيداً من المواطنات المؤهلات إلى هذا الميدان لتتحول آلاف من القوى النسائية المعطلة إلى قوى منتجة تساهم في الجهد الوطني العام لبناء اقتصاد الوطن وتعدد مصادر الدخل ضماناً لمستقبل الوطن وأجياله القادمة-بعون الله-.. ما من شك أن ذلك هو أمنيتنا جميعاً، لكن الأمنيات وحدها لا تكفي.!