بحكمة القائد وبعد نظره، وبحنكة الرائد واستشرافه للمستقبل، وبإحساس المؤمن ووضوح رؤيته، وبمشاعر المسئول وقدرته على تلمس آلام أمته، وانطلاقا من الوعي العميق لما تمر به المنطقة العربية من أخطار.. وجه خادم الحرمين الشريفين كلمته الصريحة والشجاعة للأمتين العربية والإسلامية وللمجتمع الدولي حول ما تمر به هذه المنطقة من أحداث جسام، وإرهاب امتدت مظاهره إلى العالم كله، ونزفت الأمة بسببه دماء أبنائها في أكثر من موقع في عالمنا العربي الذي كان مضطربا، فجاءت هذه الأحداث لتزيده اضطرابا، بعد أن أبرز الإرهابيون وجوههم القبيحة للعالم كله، وقدموا نموذجا سيئا ومشوها لصورة الإسلام والمسلمين، و(من العيب والعار أن هؤلاء الإرهابيين يفعلون ذلك باسم الدين فيقتلون النفس التي حرم الله قلتها، ويمثلون بها، ويتباهون بنشرها، كل ذلك باسم الدين، والدين منهم براء، فشوهوا صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته، وألصقوا به كل أنواع الصفات السيئة بأفعالهم، وطغيانهم، وإجرامهم) كما قال حفظه الله، وهو بذلك إنما يضع قادة وعلماء الأمة الإسلامية أمام واجبهم في حماية سمعة الدين من هذا التلوث الذي أحدثته فئة ضلت عن سواء السبيل، وانحرفت نحو النزعات التدميرية والدموية الحاقدة، وبأساليب بشعة ومستنكرة، ومرفوضة من العالم كله، وقد آن لقادة وعلماء الأمة أن يقفوا في وجه (من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف والكراهية والإرهاب). وأن يقولوا الحق دون خوف أو تردد، فلا يخشوا في الحق لومة لائم، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة في فلسطين، حيث يشن العدو حملته الظالمة ضد الفلسطينيين، فأصبحت (دماء أشقائنا في فلسطين تسفك في مجازر جماعية، لم تستثن أحداً، وجرائم حرب ضد الإنسانية، دون وازع إنساني أو أخلاقي، حتى أصبح للإرهاب أشكال مختلفة، سواء كان من جماعات أو منظمات أو دول، وهي الأخطر بإمكانياتها ونواياها ومكائدها) كما عبر حفظه الله، ودون أدنى اهتمام بهذه الأحداث التي قوبلت بالصمت المريب (من المجتمع الدولي بكل مؤسساته ومنظماته بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان، هذا المجتمع الذي لزم الصمت مراقباً ما يحدث في المنطقة بأسرها، غير مكترث بما يجري، وكأن ما يحدث أمر لا يعنيه).
لقد عرفت المملكة بموقفها الواضح والصريح من محاربة الإرهاب، ومناصرة قضية فلسطين، ومؤازرتها في كل الظروف، وهو موقف تبناه الملك المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز رحمه الله، وتمسك بهذا النهج القويم أبناؤه قادة هذا الوطن العزيز.
وتأكيدا على سياسة المملكة، وجهودها في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله، والوقوف الدائم مع القضية الفلسطينية، ومناصرة الحق الفلسطيني المغتصب، وإدانة الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني، فقد حث خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - العلماء والمشايخ أثناء لقائه بهم.. على التمسك بالقيم التي نشأت عليها المملكة، من خلال السعي الحثيث لدرء الأخطار عن هذه الأمة، والقيام بالدور التنويري المطلوب لعامة المسلمين، وخاطبهم بصراحته المعهودة، وشجاعته المعروفة - حفظه الله - قائلا: (ترى فيكم كسل وفيكم صمت، وفيكم أمر ما هو واجب عليكم.. واجب عليكم دنياكم ودينكم، دينكم، دينكم.. وربي فوق كل شيء). وهي كلمات تفرض على العلماء والمشايخ المزيد من العمل، للذود عن مفاهيم الإسلام القويمة، ومبادئه السامية، ومجابهة المفاهيم الخاطئة، بالحجة والأدلة الشرعية الثابتة، بعد أن حاولت فئات ضالة ومضللة تشويه سمعة الإسلام، بالإرهاب والغلو والتطرف.
إن كلمة خادم الشريفين الموجهة للأمتين العربية والإسلامية، وتوجيهاته الكريمة للعلماء والمشايخ، كل ذلك إنما يعبر عن موقف صريح وشجاع وراسخ وعميق في طرح ومعالجة قضايا الأمة، لتجاوز عقبات حماية مكتسباتها، والعمل على تطورها وازدهارها، واستعادة أمجادها.