تحدثت في مناسبات عدة عن حقوق المواطن السعودي لبلوغ حياة كريمة يتحقق فيها الحد الأدنى من الأمان النفسي والاقتصادي والاجتماعي له وللأجيال القادمة، والغاية من ذلك هي تحريك فكر الجميع لخلق مستقبل أفضل هو أحق به، وأعني بالجميع الدولة والمواطن كوحدة متكاملة تمثل بعضها البعض، ويعجبني كثيرا الفكر الشمولي في النظر للأشياء، وحيث إن دائرة الفكر الشمولي تزداد بازدياد العقول المفكرة ويتأكد هذا الأمر عندما تضع تلك العقول المشاركة في عملية التصور وصنع القرار ان المستهدف من كل شيء هو المواطن السعودي، وهو أمر يؤكده أولياء الأمر في المملكة على تعاقب العقود، ولكننا نرى ما رآه قبلنا من أن آليات ووسائل إشراك المواطن في قراراته وخصوصا الحاسمة والمصيرية منها هي في المجمل آليات بحاجة إلى مراجعة، فالكل متفق على أن أقصر وأنجح الطرق لوطن أقوى هو اجتماع الكلمة واتحاد الرؤى التي نراها غائبة في أبسط الشؤون الحياتية للإنسان السعودي الذي أصبح لا يملك حتى خيار فتحات الطرق في حارته وأضحى يخرج من دائرة سكنه عدة كيلومترات ليدخل بيته بعد رحلة إجبارية غير مبررة في امر يتكرر كل يوم عدة مرات.
وتحجيم دور المواطن في خياراته اليوميه يأتي امتدادا غير محمود لتحجيم قراره في أمور أخرى والوطن كبير بأبنائه مما يجعل عملية إشراك المجتمع في قرارات وتنظيمات وخطط الدولة على المستوى الأعم أمرا مرغوبا، ولما كانت مثل هذه المطالبات غائبة عن قطاع من مسؤولي الدولة فإننا نعلم على وجه الوضوح أن الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس، وقد آن الأوان أن تعطى مساحة من اتخاذ القرار للمواطن من غير المسؤولين في شؤون الحياة التعليمية والصحية والبلدية والاجتماعية وغيرها، وهذا المواطن القائم على تراب هذا الوطن له صوت حري بأن يسمع لما ىتمناه أن تكون عليه المملكة العربية السعودية في جيل أبنائه بل وأحفاده بل ومن بعدهم، وقد آن الأوان لأن نرى ونسمع الأماني المخطوطة في الخطط الخمسية الماضية وما تم منها وما تعثر ولماذا تعثر ومن المسؤول عن تعثره؟ وهل حوسب أم أن إنجاز الوطن وتاريخه صار مجالا لاستفاضة هؤلاء الذين استأمنهم ولي الأمر على المال العام؟ وقد آن الأوان لأن يشرك أبناء المجتمع السعودي في خطط ورؤية المستقبل وكيف ستنفذ ودرجات الشفافية المزمع اتخاذها، أما أن يكون المواطن كائنا خاملا مستقبلا لقدره دون أي فاعلية فهو أمر محبط، والمصلحة المجنية من عملية إشراكه في البناء والتخطيط مصلحة واضحة المعالم ترضي الله ورسوله وولي الأمر، وهي زيادة في اللحمة الوطنية وقوة للكيان الكبير الذي يجب ان يتجانس ويزداد تجانسه بمثل هذا الإشراك، وأعداء هذا التوجه لا حجة تصونهم ولا دليل يعينهم الا التبجح الناتج عن تقادم بقائهم على رؤس العباد ولا بأس بأن تبدأ عملية الإشراك المجتمعي من أعلى الهرم في مجلس الشورى والوزارات الخدمية والجامعات وكيانات الدولة الأخرى.
ومن المؤكد أن المواطن السعودي بقلبه الصغير في حجمه والكبير بمشاعره وحبه لمليكه ولبلده يريد أن يناط هذا التمثيل المجتمعي بالمتفق على صلاحهم من الأقوياء الأمناء فلا حاجة لنا بكميات أخرى من الكحل الضار حتى لا نعمى وتعمى مصلحة الوطن والمواطن الذي يشنف مسامعه بتفاصيل ميزانية الوطن العامرة كل عام، هذا المواطن له حق بسيط في أن يرى ويلمس ويسمع آثار حقن بلده بهذه الكميات الضخمة من الريالات التي أصبحت تسمى بالمليارات حتى فقد المليون هيبته في هذا الزمن العجيب،
والإهمال لنداءات هذا المواطن لإصلاح شأن حياته هو بلا شك هروب من الواقع ويبقى الواقع حقيقة تزداد يوما بعد يوم، وتغييب المجتمع عن مشهد الاحترافية والتخطيط في بناء الوطن ليس بقدر ملزم بل هو أهواء تتلاعب بالمواطن السعودي والأجيال القادمة آن لها أن تبتر الى الأبد.