في الستينيات الميلادية اجتمع شاه إيران محمد رضا بهلوي مع السفير الإيراني لدى المملكة العربية السعودية، والذي تم الإعلان عن تعيينه حديثا في ذلك الوقت، وقام بإعطائه بعض المعلومات فيما يخص هشاشة الوضع السياسي والأمني في المملكة. وكان شاه إيران في ذلك الوقت قد استقى معلوماته من بعض مراكز التحليل السياسي ووسائل الإعلام البريطانية.. طبعا لا داعي لسرد بقية القصة لأن الكل يعلم ماذا حدث لشاه إيران، وماذا كانت ولا تزال عليه المملكة من ثبات في الأمن
والاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي. وفي نفس تلك الفترة، حاولت قيادات عربية المساس بأمن الوطن، واستئجار أيادٍ عميلة لنشر الفوضى لأنهم كانوا يظنون خطأ أن المملكة ستكون سهلة المنال لجرها للحركات الفوضوية تحت غطاء القومية العربية، وبالطبع الدوران في فلك استغلال مآسي الشعب الفلسطيني لتمرير أجندات خاصة بهم في وقت كانوا يعتقدون فيه أن المملكة لا تملك القدرة على تفتيت كل مخططاتهم. ولكن كان هناك محللون سياسيون ومراقبون من أصحاب الخبرات السياسية الذين أعلنوها صراحة بعد نكسة 1967م وقبل حرب 1973م بأن المملكة هي المعادلة الأصعب والأقوى سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا. ولم ينتبه الكثير لهذه التحليلات إلا بعد أن قال الملك فيصل -رحمه الله- كلمته.. أوقفوا النفط من أجل القضية الفلسطينية. وعندها حبس العالم أنفاسه. وأصبحت القضية الفلسطينية قضية دولية ومعروفة للعالم أجمع، ليتم وبعد سنة من وقف تصدير النفط استقبال السيد ياسر عرفات في نيويورك؛ ليلقي كلمته أمام العالم في مبنى الأمم المتحدة. وقبلها بسنوات، كان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- من أول من نبه لما يمكن أن يحصل في فلسطين عندما اجتمع مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت قبل ثلاث سنوات من قيام دولة إسرائيل. ويأتي بعده الملك سعود -رحمه الله- ويوقف مشروع مخطط الدفاع في الشرق الأوسط برعاية أمريكا وبريطانيا والذي كان من الممكن أن يصب في مصلحة إسرائيل. وبعد سنوات طويلة عرف العالم أن المملكة لم تكن يوما من الأيام إلا السند الأقوى والحلقة التي لم يستطع أحد كسرها فيما يخص نصرة القضية الفلسطينية، ولم تكن يوما دولة ساعدت كل فلسطيني لكي تمرر أجندة خاصة بها، بل ان الحكومة وكل مواطن سعودي كان ولا يزال مع القضية الفلسطينية. وما مبادرة المملكة لحل القضية الفلسطينية أيام الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- إلا دليل واضح على أن المملكة قدمت في أحيان كثيرة مصلحة القضية الفلسطينية قبل مصلحتها، وكانت هناك فترات أخذ وجذب بسبب القضية الفلسطينية مع دول تربطها بالمملكة شراكة استراتيجية، كأمريكا مثلا. وفي الوقت الحالي وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أصبح واضحا أن المملكة هي المساند الحقيقي ليس للقضية الفلسطينية، بل ولكل قضايا العرب والمسلمين. ولكن هناك كتابا أمثال الكاتب (ديفيد هيرست) ممن لا يزال يتغنى بنظريات عفى عليها الزمن. وبعد أن بدأ ما يسمى بالربيع العربي، قام هذا الكاتب وغيره بمحاولة التطبيل والتشكيك في ثبات المملكة السياسي والأمني، وترديد نظرية أن الربيع العربي ستهز رياحه الكيان السعودي. وبعد أن اتضح لهم خطأ تحليلاتهم قاموا بزج اسم المملكة فيما يحدث في غزة، متناسين أن المملكة هي في المقام الأول أكثر دولة ناصرت القضية الفلسطينية، ليس بالكلام
والتهديد الأجوف والاستغلال الواضح لمآسي الشعب الفلسطيني، بل بالقول والفعل. أما من لا يعرف المملكة ويجهل مواقفها الشجاعة لنصرة القضية الفلسطينية، فهذا شأنه ومشكلته هو.