الشيخ الرئيس كما يحلو لنا ولكل من جذبه فكر وعظمة هذا الرجل تسميته هي أبو علي الحسين بن عبدالله بن الحسن بن علي بن سينا، العالم والطبيب المسلم الذي اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما، صاحب فكر مؤثر ونافذ ليس علينا فحسب بل على جميع المفكرين الذين أتوا من بعده، وقد دعا بصراحه في كتابه السياسة لكل قائد أمر في الدول والمجتمعات ان أراد فلاحا أن يستخدم أصحاب العقول والمفكرين لشؤون الدول، وهكذا كان، وهذا ما يفعله عظماء الملوك والحكام، بصرف النظر عن الدين والعرق لذلك العقل، فقد اشتهر عدد من الاطباء اليهود لدى خلفاء بني العباس وكان اكبر منجنيق عرفه التاريخ من صناعة مجري مسيحي استوعبته حضارة بني عثمان، وفي العصر الحديث استدعى الملك عبدالعزيز رحمه الله ابناء الأجناس المختلفة في بداية تكوين الكيان السعودي الشامخ، ولا بأس بإعمال العقل والفكر في كل مسائل إدارة الدول، وخصوصا ما يحتاج منها لغربلة وإعادة الحسابات، ومن هذا المنطلق أرى فيما يخصنا نحن في المملكة ضرورة مراجعة بعض الإخفاقات المؤثرة في المسيرة، وذلك فيما نتمنى أن يكون وقت سلم بعيدا عن الضوائق المالية والاضطرابات الإقليمية، وأخص بالحديث ما يتعلق بخطط الدولة الخمسية الثماني الماضية، حيث نمضي قدما في التاسعة منها، وقد يكون الفكر الذي نقدمه هنا لم يتم تناوله أو حتى الحديث عنه سابقا، في حد علمنا، ولكننا نرى فيه من الوجاهة ما هو حري بالتفكير الجدي العاجل من قبل وجهاء المملكة وقادة الأمر فيها، وأخص بالذكر كبار رجالات الدولة لضرورة النظر الفوري في آليات تنفيذ مشاريع الدولة وما تحتاجه من صلاحيات في كافة مناطق المملكة، فالناظر بعين العقل يدرك- بما لا يدع مجال للشك- ثلاث حقائق هامة: أولاها أننا في عصر ثراء ونعمة تمثل علامة تاريخية بارزة لبلادنا الحبيبة، وثانيها أن تقلبات المال والاقتصاد الدوليين تفرض علينا حقائق هامة من ضمنها أن حالة الثراء الدائم أمر محال، وثالثها أن مراجعة الفترة الماضية من الانجاز على جميع الأصعدة لا تمثل رضا واطمئنانا لأبناء المملكة، وما دام الأمر كذلك فإن المراجعة وإعادة إعمال الفكر على الذكر والذكر على الفكر للخروج بفلسفة عمل وطني جديدة هي أمر ملزم جدا وأولوية قصوى لكي نبقى كبارا كما نحن وكما نريد. ومن هذا المنطلق فإن ما نراه من تخلف عن اللحاق بالركب التعليمي والبلدي والصحي والاجتماعي وغيرها في المملكة هو نتيجة حتمية لإخفاقات عمل الوزارات المعنية والتي تبقى نجاحاتها جزئية في جميع الأحوال حتى لا يقال اننا ننكر الإنجازات التي تمت، حيث ان المفروض الوصول اليه اكبر وابعد مدى مما نراه.. فالمملكة قارة مترامية الأطراف وما يبدو لنا جميعا ان هناك ضعفا شديدا في الرؤية من قبل الوزارات الخدمية لمناطق المملكة خارج المناطق الرئيسية.
إن الإصرار على التنظيمات الحالية والتي تجعل من مبنى واحد في العاصمة الحبيبة الرياض تتبعه مبانٍ اصغر في المناطق لادارة شأن كامل المملكة في شأن رئيس كالتعليم او الصحة او المالية او الشؤون الاجتماعية او غيرها هو في اعتقادنا- وكما أوضحت آلة الزمن- أمر مرهق لقلوبنا الصغيرة التي كلّت من ركام الأيام، وضرورة الحال تفرض فرضا اعطاء دور مالي وتنفيذي أكبر وأقوى للمناطق التي تعرف ممثلة، في مسؤوليها، على وجه التفصيل أولويات المنطقة ومناطق الضعف والقوة وهي، اي المنطقة، أخبر برجالاتها وأعلم بالقوي الأمين منهم.. وهذا المسؤول او ذاك من ابناء المنطقة هو جزء من مجتمعه الذي سيظل يحاسبه على أدائه طيلة العمر، فهو منهم وهم منه، وفي المقابل فإن هذا التنظيم سيقضي بدرجة كبيرة على المحسوبيات في التعيينات الوزارية التي أرهقت السعوديين كثيرا ولم يدفع ثمنها الا نحن ابناء المملكة وأجيالها المتلاحقة، فليس من العدل أبدا في جميع الشرائع والقوانين ان يسلم الامر في شأن ما لرجل واحد في خدمة ما مما يزيده تسلطا، وليكن ذلك التنظيم الجديد موازيا لصلاحيات أوسع وأشمل لاستغلال العقول العظيمة محدودة الحركة في مجلس الشورى، لتلعب دورا استشاريا وتخطيطيا ومتابعا، يكسب الصفه الإلزامية للمناطق، ورجالات المناطق حريون بتلك المسؤولية ان دعموا بصلاحيات المال والقوة التنفيذية، ومناطق المملكة حرية برجالاتها في ادارة شؤون المملكة كل في منطقته، وأبناء عبدالله بن عبدالعزيز الأوفياء المخلصون وهم ابناء الاسرة الحاكمة الكريمة لهم من الجاه والقوة والسطوة على مناطقهم ما سيجعل القضية انجازا وطنيا في تنافس مناطقي آن له أن يتحقق.
لقد آن الاوان لإعمال وتفعيل روح المواطنة لخدمة مشاريع الوطن فجميع ابناء الوطن يستطيعون الوصول لأمرائهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة لتذليل الصعاب وتحقيق المأمول، وهو أمر شبه مستحيل في علاقة المواطن بالوزير في ثكنته او وزارته في الرياض.
وما اجمل ان تفعل الاجتماعات الاسبوعية التي يعقدها أمراء المناطق في جو من الحميمية، لخدمة وإنجازات المنطقة في اختزال رائع لتجاوز العوامل النفسية والمكانية للمواطن السعودي الذي يريد ان يقترب من مصدر القرار لحقوقه الحياتية في تنظيم وطني مناطقي لا وزاري شامل سيخلق منافسة حقيقية لأبناء المملكة حتى لا يتجرأ مسؤول وزاري لأن يطلقها بجرأة الباطل بأن الانجاز السعودي في الرياض فقط. فالراحل المؤسس الملك عبدالعزيز- غفر الله له- قد أسس هذه المملكة لتكون عرعرة الشمال وشرورة الجنوب والأحساء وخريص الحجاز رياضا في إنجازاتها، ومن أراد غير ذلك فقد آن الأوان لان نقول له إن مملكتنا الحبيبة قوية بكل حبة تراب من أرضها، أما اصحاب فكر الشخصية وتطويع مصالح البلاد لأهوائهم فقد آن لنا أن نجعل منهم ماضيا أليما عشناه ونرغب لله زواله للأبد.