بالنسبة لي أنا شخص ادعي أني اجتماعي، وأحب زيارة الأحباب سواء أكانوا أصدقاء أو أقرباء، واحرص حقيقة على الالتقاء بهم كلما سنحت الفرصة، لذا تجدني لا أتردد في ذلك، كونها مصدرا من مصادر سعادتي الشخصية، ناهيك عما فيها من أجر وثواب عند الله تعالى، خصوصا إذا التقيت بشخص تربطك معه براءة الطفولة، أو الاهتمام المتبادل، أو حتى الأحاديث الشخصية التي تكسر الروتين، وتشعر بها وكأنك اكتسبت مهارة جديدة في مواجهة روتين الحياة.
فالاجتماعات وتبادل الزيارات صفة عرفت بها المجتمعات الخليجية في الماضي وما زالت وان كان اليوم بدرجة أقل، بسبب أن الحياة اليوم أصبحت أسرع، والروتين يحاصرك ويتسع أكثر من ذي قبل، فتجد نفسك ربما غارقا بالتفاصيل الصغيرة للحياة اليومية، وتعيش في عالم ربما ضيق برغم ما يقال عن القرية الكونية وانفتاح العالم من حولك على كافة الخيارات والرغبات، لأنك لا تعيش إلا مع هذا الروتين ، وربما لا تعرف غيره بحكم محاصرته لك، أو استسلامك له، فتجد يومك يبدأ بنقطة وينتهي بذات النقطة، وكأن يومك طريق مستقيم لا تلتفت فيه يمنة أو يسرة، شمالا أو جنوبا، فوق أو تحت، وقد يكون هذا حتى لا نظلم البعض مفروضا عليه، بحكم ظروف المعيشة والبحث عن الرزق الحلال، فتجده متعلقا بهذا الروتين والرتابة التي قد تزعجه ولسان حاله يقول «مكره أخاك لا بطل»، وقد تجد شخصا ليس من هذا الصنف، فلديه من المال ما يكفيه، ولكن بره بوالديه يمنعه من مشاركة الناس مناسباتهم، نعم بره بوالديه لا تستعجل عزيزي القارئ: أعرف شخصا ملازما لوالده طوال اليوم بسبب مرضه وحاجته إلى الرعاية والمرافق الذي يقوم برعايته، لهذا تجده يمتنع عن تلبية الكثير من الدعوات ويمتنع عن حضور المناسبات، وكان يقول لي: للأسف الكثير يا أحمد لا يعذرك حينما تقول له مشغول ، وأعرف شخصا مشغولا دوما بالقراءة والتأليف، ويقول: لو استجبت للكثير من الدعوات والمناسبات ربما توقفت الكثير من مشاريعي، وكان يقول: لو عندك وقت أعطني فأنا كثيرا ما أخذت من وقت أسرتي وعملت على حسابها.
فالناس اليوم حياتهم أكثر تعقيدا من ذي قبل، وأمورهم الصغيرة قد تأخذ من يومهم ذي الاربع والعشرين ساعة، ربما جله، ومن ذلك قد لا يجدون فسحة ولو صغيرة من الوقت للتواصل مع من يرغبون، وهم مع الأسف عرضة للوم، وربما النقد الذي قد يتطور إلى سوء الظن بهم بسبب عدم تواصلهم الاجتماعي مع من حولهم من الاقارب والاصدقاء، لتصل ربما إلى أن يتخذ البعض قرار المقاطعة لك دون أن يقدر ظرفك، ولسان حالهم يقول: «دامه ما يزورك لا تزوره ما في أحد أحسن من أحد» ناسين أو متناسين قوله تعالي ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
هذا مع من تعاديه أو يظهر لك العداء يطالبك القرآن بأن تتعامل معه بالأحسن ونحن نعلم أن «أحسن» اسم تفضيل أي قدم أفضل ما عندك لتكسب مودته.
ما بالك مع شخص لا حول ولا قوة له ومنعته الظروف من أن يصل إليك، أليس من باب أولى أن تقدر ظرفه، وتتعامل معه بالأحسن، وفي ختام المقال لنتذكر جميعنا الحكمة العظيمة «أعقل الناس أعذرهم للناس».