بادئ ذي بدء، لا بد أن أقول إنني أتحدث هنا عن الجيولوجيا، ولست أتحدث عن السياسة أو الشأن الاجتماعي، لأن مملكة البحرين قريبة في قلوبنا، ولم ولن تبتعد عنا أبدا، ونفتخر بماضيها المجيد، وحاضرها العظيم، ومستقبلها الواعد، وهذه أمور مفروغ منها، ولكن العنوان أعلاه يختزل فحوى المقال حرفيا، ويسمح للفكر لأن يطلق العنان ليسبر دهاليز الفكر، وما سأعرضه عليك هنا -عزيزي القارئ- لا يعدو أن يكون محاولة بسيطة للتفكير بصوت عال حول نظرية جيولوجية بحتة جديرة بأن تطرح وتناقش، وهي نظرية «الانجراف أو الانزياح القاري» التي وضعها العالم الألماني الفريد فاغنر عام 1912م ، وهي تقول: ان الأرض كانت عبارة عن قارة واحدة كبيرة، محاطة بمحيط واحد، ومع مرور الزمن انقسمت هذه القارة الأم إلى قارات أصغر وأخذت في التحرك والابتعاد عن بعضها، وتشكل العالم كما نراه الآن، وهذه النظرية لا تتعارض مع قوانين الحركة الثلاثة «المعروفة» التي صاغها الرياضي الإنجليزي المعرف (إسحاق نيوتن)، وبحسب نظرية فاغنر أو نظرية حركـــة القارات (Continental Drift) أو نظرية (Sea Floor Spreading) تباعد قيعان البحر، فإن معدل توسع البحر الأحمر في كل عام هو (4) سنتيمترات، أي أن أرض الجزيرة العربية تبتعد عن القارة الأفريقية في كل عام بحوالي (4) سنتيمترات، وربما ان ما ينطبق على البحر الأحمر ينطبق على جزيرة البحرين، وهذا يعني أن أرض جزيرة البحرين قد ابتعدت عن شبه الجزيرة العربية بحوالي ( 128) سنتيمترا خلال (32) عاما، وذلك اعتبارا من تاريخ وضع حجر الأساس لتشييد جسر الملك فهد في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وأخيه صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة -رحمهما الله- في 26/1/1403هـ الموافق 11/11/1982م، وحتى هذا العام.
وفي جميع الأحوال فإن هذه النظرية ينسبها الغرب للعالم الألماني «فاغنر» وهنا هو بيت القصيد.. وأعني أن الحقيقة هي أن هذا السبق العلمي يعود الى المسلمين، حيث إن اليابسة والجزر عبارة عن قمم من الجبال محاطة بالمياه، وقد جاء في قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) [النمل: 88] ، والعجب العجاب هو أن هذه النظرية لدينا منذ أكثر من 1400 عام، وحين أعلن عنها في الغرب عام 1912م، استقبلها البعض في غير تثبت ولا تمحيص، ومما يزيد الطين بلةً أنها «جيرت» لهم بينما هي من صميم ثقافتنا الروحية!
ولو سمحت لخيالك -عزيزي القارئ- بأن يطلق لنفسه العنان، وتخيلت جزر مملكة البحرين بعد مائة عام والبالغ عددها أكثر من 30 جزيرة، أو اسكتلندا التي تتكون من أكثر من 790 ، أو تخيلت جزر اليابان البالغ عددها 3000 جزيرة، أو جزر الفلبين البالغ عددها 7100 جزيرة، أو اندونيسيا التي تتكون من 13667 جزيرة، فما هو توقعك الذي سيصل إليه العالم من تمدد وتباعد وفق هذه النظرية؟!