يبدو أن الفراغ هو القدر المحتوم للرئاسة في لبنان، فبعد 61 يوماً بلا رئيس للجمهورية، تكرر المشهد نفسه في البرلمان اللبناني للمرة التاسعة على التوالي، حيث حضر نواب قوى 14 آذار ومعهم عدد من نواب كتلة "التنمية والتحرير" جلسة الانتخاب التي سبق ودعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما يقاطع نواب تكتل "التغيير والاصلاح" ومعهم نواب كتلة "الوفاء للمقاومة"، لتكون النتيجة واحدة: لا نصاب ولا رئيس للجمهورية. وعلى أمل أن تثمر المشاورات التي تتم بين الفرقاء حلولاً تفضي إلى انتخاب رئيس جديد، عيّن الرئيس بري الثاني عشر من اغسطس المقبل موعداً جديداً للجولة العاشرة، ليبقى الشغور في سدة الرئاسة سيد المواقف، من دون أن يلوح في افق هذه الأزمة ما يؤشر إلى حلحلة ما.
وفي مجريات اليوم النيابي في ساحة النجمة، حضر 56 نائباً للمشاركة في جلسة انتخاب الرئيس، في حين أن النصاب المطلوب هو 86.
مواقف نيابية
وفي المواقف، اعتبر وزير الصحة وائل ابو فاعور، في دردشة مع الصحافيين في المجلس النيابي أن "حل موضوع الرواتب والاجور ممكن، وان العقل اللبناني مبدع". وعقب انتهاء الجلسة، أسف عضو كتلة "القوات اللبنانية" النائب أنطوان زهرا أن "لبنان وصل إلى مرحلة تشبه بشاعات الشرق الأوسط، وأن هناك من يدعي تمثيل المسيحيين ويمنع انتخاب رئيس". من جهته، اعتبر النائب روبير غانم أن "انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة ليس مجرد فكرة تطبيقية، بل هو انقلاب شامل وتغيير جذري". واعتبرت عضو كتلة القوات اللبنانية النائب ستريدا جعجع أن "الاستحقاق الرئاسي جوهري ومفصلي بالنسبة للدولة اللبنانية على الصعد الدستورية والميثاقية والقانونية"، لافتةً إلى أن "بدلاً من أن ننتخب رئيساً في هذه المرحلة الحساسة، يتولى الفريق الآخر نسف هذا الاستحقاق؛ لأنه لا حظ له في الوصول الى الرئاسة".
السعر الأفضل
وأكد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، في مؤتمر صحافي عقده في معراب إثر فشل انعقاد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية للمرة التاسعة أن "ما يجري في غزة غير مقبول وبعيدا عن كل الحسابات ما نراه من صور لا يمكن قبولها"، سائلا: "إن لم يتدخل مجلس الامن في هكذا اوضاع فمتى سيتدخل؟". ورأى ان "ما يجري في الموصل مماثل لما يجري في غزة، وحين تصل الامور الى محاولة القضاء على مجموعة من الشعب يفترض بمجلس الامن ان يتدخل. ورأى ان "هذه الأعمال تؤذي الإسلام كإسلام قبل اي طرف آخر، وأناشد الاطراف الاسلامية التدخل ووقف “داعش” عما تقوم به بحق الاقليات او حتى الاكثرية". وقال: "ان التعطيل الذي يجري لا مبرر له ولا سبب له الا رغبة فريق من النواب ان يوصلوا مرشحهم "او عمره ما يكون ثمة رئيس". واعتبر ان "هذا المنطق لا يحترم الديمقراطية والشعب والوطن ولا حتى يحترم المنطق". وشدد على ان "البلد كله معطل عمليا، فيما امور المواطنين معطّلة لأن ثمة فريق من النواب يريد إيصال مرشحهم وهذا مرفوض". ورأى جعجع ان "ثمة عاملا داخليا يلعب بالاستحقاق وثمة عامل آخر هو "حزب الله" وايران ينتظر السعر الافضل لبيع الرئاسة اللبنانية"، مشدداً على ان "الفريق الآخر مصر على التعطيل إلى ان يأتي بمرشحه والمشاورات مستمرة داخل "14 آذار" للخروج من هذا التعطيل"، كاشفا انه "لا يرى حلاً لأزمة الرئاسة حتى الآن، لكن الضغط على الفريق المعطل هو الذي يؤدي الى نتائج". وقال: "انه يميل شخصياً للذهاب لانتخابات نيابية إن لم ننتخب رئيسا".
عقوبات أمريكية
على صعيد آخر، تبنى مجلس النواب الامريكي الثلاثاء بالإجماع مشروع قانون يتيح فرض عقوبات على المصارف الاجنبية بما فيها المصارف المركزية وغيرها من المؤسسات المالية التي تمول حزب الله اللبناني الشيعي، الذي تعتبره الولايات المتحدة تنظيما ارهابيا. وصوت مجلس النواب بالإجماع على القانون الذي يوسع نطاق العقوبات المالية المفروضة على حزب الله، ويعطي الخزانة الامريكية سلطة اكبر لملاحقة المصارف الاجنبية بما فيها بنوك مركزية تتعامل مع الحزب الذي صنفته الولايات المتحدة تنظيما ارهابيا في 1995. ويتطلب الاقتراح موافقة مجلس الشيوخ قبل ان يوقعه الرئيس الامريكي باراك اوباما، ليدخل حيز التنفيذ. لكنه لم يدرج بعد على جدول اعمال مجلس الشيوخ. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ايد رويس قبيل التصويت: ان "مشروع القانون يستند على العقوبات المفروضة اساسا على الحزب، لكنه يفرض تدقيقا اكبر على موارده المالية خصوصا تلك خارج لبنان". وأضاف رويس: ان العقوبات الامريكية ستساهم في الحد من انتشار حزب الله في العالم. وقال: "يجب ان نركز على مقاتلي حزب الله في سوريا والذين يقارب عددهم خمسة آلاف شخص، وعمليات تهريب المخدرات وتبييض الاموال على نطاق واسع دوليا، بالإضافة الى اقتناء الحزب لأنظمة صواريخ متطورة". ويدعو مشروع القانون الرئيس الامريكي باراك اوباما الى تصنيف الحزب تنظيما يمارس تهريب المخدرات، اذ حذر النواب من لجوء الحزب بشكل دائم الى شبكات تهريب المخدرات كوسيلة للتمويل. كما سيؤدي مشروع القانون الى تصنيف حزب الله تنظيما اجراميا، مما سيسمح للادارة الامريكية بالتدخل لمواجهة نشاطات الحزب المتهم بتبييض الاموال وتهريب منتجات مزورة. ويهدف القانون الى توسيع العقوبات الامريكية في القطاع المالي، لكن واشنطن فرضت في الاعوام الاخيرة عقوبات محددة على افراد وكيانات لبنانية لصلتها بحزب الله. ففي العاشر من يوليو، ادرجت وزارة الخزانة على لائحتها السوداء مجموعة "ستارز غروب هولدنغ" التي مقرها في بيروت والمتهمة بمساعدة التنظيم اللبناني في حيازة معدات عسكرية. وفي ابريل 2013، اتهمت الولايات المتحدة شركتين لبنانيتين لتحويل الاموال بالضلوع في شبكة لتهريب المخدرات قالت انها مرتبطة بحزب الله. وفي فبراير 2011، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على البنك اللبناني الكندي متهمة اياه بتبييض مئات ملايين الدولارات مصدرها شبكة لتهريب المخدرات. ومنذ ذلك الحين، تمت تصفية هذا البنك الذي سدد 102 مليون دولار للسلطات الامريكية في يونيو 2013 لتجنب ملاحقات.
