هناك من البشر من يختلف ليتعلم الحق ويطلبه، وهناك من يتعلم ليخالف الحق ويبطله، وهناك أقلام تكتب لتنفع، وهناك أقلام تكتب لتضر وسيسألهم الله -عز وجل- عمّا كتبوا. دأبت بعض الأقلام ـ وهم قلة ولله الحمد ـ والتي تعد نفسها أنها معروفة في عالم الكتابة والفكر حين تكتب عن قضايا المسلمين، أو بعض المواقف السياسية، أو الدينية؛ على التخبط والتشكك، وتعتبر غيرها ممن يعارضها، ويحاجها بالحجة هم النكرة، دوما تحاول أن تعرّف بنفسها من خلال الاختلاف عمدا، وظلما،
تحاول الانتصار لذاتها ولو كان على حساب الحق، وتلهث وراء المخالفة في كل أمر، والمشاكسة في كل مسألة، والمعاكسة في كل اتجاه، والميل عن كل معتدل، هكذا هي مفلسة، وفقيرة تفزع إلى الإسقاط على الأشخاص والجهات، وتفزع إلى النعت بالسوء على الأفراد والأشياء، وتحرص دوما على تعكير الأجواء النقية، والتشكيك في النيات، وتهميش المواقف الحقيقية، نجدهم يضعون أصابعهم في آذانهم، ويستغشون تعصبهم.. ولا يبالون بأقوال الخير والحكمة، فلا يسمعون إلا أصواتهم، وأصوات أشباههم. ويبخلون أن ينصروا الحق ولو بكتاباتهم أو لو بصمتهم على الأقل،. فتجدهم يقولون غزة ليست قضيتنا.. فقضية من أجل؟
قضية غزة هي قضية فلسطين هي قضيتنا وألمنا وهمنا، وما يحدث فيها من مآس، يتعاطف معه المسلمون والعرب وكذلك شعوب غير إسلامية على مرارة ما حدث من مجازر ومذابح على أيدي بني صهيون، الذين لا يستغرب منهم، فهم أشد عداوة للذين آمنوا. ومع توافق رؤى كثيرة حول تجريم الصهاينة؛ على غزوهم وطغيانهم في غزة العزة، إلا أن بعض الوسائل الإعلامية والإعلاميين أو الكتاب تعيش زمن الغفلة، فأطّروا تلك القضية من واقع أجندة مخزية تماهت ورغبات اليهود باختزال قضيتهم مع غزة فقط لا غير. وإقصاء فلسطين القضية الحقيقية عن مساحات الإعلام.. والتركيز على ان المشكلة مع غزة ليذهب ويعتاد الناس على أنه ليس هناك فلسطين بل هناك غزة وحماس.
كما أنهم برروا لإسرائيل فعلها، وانتقوا بعض الأحداث السياسية والتصرفات الفردية ليشككوا فيما يحدث في غزة، فجعلوا لإسرائيل حق رد الفعل وهم المحتلون، وجعلوا صواريخ القسام سبب مذابح إسرائيل، متناسين صبرا وشاتيلا التي لم يكن لحماس وجود أساسا، ومتجاهلين مجزرة قنا في لبنان، ومتناسين حصار غزة،. وما حدث في جنين واليوم ما يحدث في الشجاعية. ومتغافلين عن أساس قضية فلسطين التي امتدت أكثر من ستين سنة مضت، ولم يكن هناك حماس أو القسام. ثم يصرخون" غزة ليست قضيتنا".. بالفعل غزة وحدها ليست قضيتنا بل فلسطين قضيتنا كلها.. ولكنها هي الحدث الآن..
لقد كانت مواقف بعض غير العرب والمسلمين سواء سياسيين، أو كتّابا، أو متابعين، أو حتى رياضيين أشجع بكثير من بعض العرب والمسلمين، الذين انسلخوا من الإحساس بأسى مجتمع مسلم يُذبح أطفاله ونساؤه قبل رجاله، هؤلاء الكتاب لا يعرفون إلا مخالفة المجتمع المسلم الذي إذا اشتكى تداعى له سائر الجسد، هؤلاء لم يحققوا تعريف المسلم الذي هو من سلم الناس من لسانه ويده.
ختام القول: الوعي الديني لدى أهل التداعي بالسهر والتعاطف، هو ما يجب أن يستمر بعيدا عن وقفات شخصية مريضة تستدعي ماضيا كريها تبرر الخذلان. غزة هي قضيتنا، وفلسطين هي قضيتنا الكبرى، وكل مسلم على الحق هو قضيتنا. فماذا بقي لنا من التداعي وأطفال المسلمين يعذبون ويقتلون، إن نحن لم نبكِ ونشكِ وندعُ. نسأل الله أن يجعل لإخواننا في غزة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة والخير وينصرون نصرا مؤزرا، ويذل فيه الصهاينة المحتلون، الحاقدون، المعتدون، ويصغر فيه أهل التخاذل والمؤامرة والسخرية.