الامر المؤسف والخطير الذي بدأنا نلمسه في الاعلام، سواء الإعلام المحسوب علينا أو في الإعلام الممول من إيران، أو حتى في بعض تقارير الاعلام الدولي، هو ربط المملكة بداعش؛ وكأن التاريخ يعيد نفسه عندما خرجت القاعدة، فوجود عدد محدود من السعوديين في التنظيم أصبح هو الحدث وهو القصة. وجود سعوديين في التنظيمات الإرهابية، أو وجود عدد من المحرضين أو الداعين الى دعم هذه الجماعات، ليس مبرراً عقلياً وموضوعياً لاتهامنا جميعا بشكل مباشر او الإيحاء ان لدينا البيئة الحاضنة والمحرضة. هذا مع الأسف ما تبنته مراكز الأبحاث ووسائل الاعلام المحسوبة على المؤسسة الصهيونية، والتي دأبت بخبث على تكريس صورة نمطية سلبية عن المملكة، حكومة وشعبا، عبر ربطها بالإرهاب وحواضنه ومنتجاته. وكان أحد مداخلهم الفكرية الى هذا الموضوع هو التركيز على ربط الإرهاب بالوهابية، والهدف بعيد المدى هو الإيحاء بان الوهابية مذهب مستقل له منطلقاته الفكرية والروحية كمثل المذاهب الفرعية الصغيرة المنتشره في العالم الاسلامي، اي ليس له علاقة بالإجماع الاسلامي المعتدل المتسامح. والإصرار على هذا التصور لم يأتِ عبثا، بل هو جزء من مشروع تفتيت وتجزئة الشرق الاوسط. المشروع الصهيوني في المنطقة يستهدف المصالح الكبرى وفي مقدمتها النفط وإسرائيل، وهذا يجعل المملكة ومعها جميع دول الخليج في عين العاصفة وفي أولويات المشروع الصهيوني. اسرائيل لن ترتاح الى أمنها القومي في العقود القادمة حتى ترى المملكة ضعيفة او مفككة، ولديها السوابق العملية الناجحة، فقد أثمرت مساعيها في العراق وسوريا. لقد استثمرت اسرائيل بذكاء شديد مشروع تصدير الثورة الايراني، فعن طريق حلفائها في امريكا وأوربا دفعت نظام الخميني بقوة الى هذا المشروع، وإيران تستنزف مواردها وتدمر علاقاتها في العالم الاسلامي جريا وراء مشروع ايران الكبرى، وهذا مؤسف ومؤلم لنا وللشعب الايراني، حينما نرى مقدرات إيران ومصالحها تساهم في إنشاء إسرائيل الكبرى.. من النيل الى الفرات! اسرائيل الكبرى افتراضية، اي بقاء دولة اسرائيل مستقرة ومتقدمة تقنيا واقتصاديا في وسط عالم محطم ومنهك ومتخاصم يقتل بعضه بعضاً لسنوات عديدة، هذه اسرائيل الكبرى، مدير مشروع المنطقة!. لقد استطاع اليهود بذكائهم وتخطيطهم بعيد المدى انتزاع اعتراف بابا الفاتيكان ببراءة اليهود من دم المسيح، والآن في حربهم التدميرية في غزة التي يشاهدها العالم تجد اسرائيل الحماية السياسية ودعم مؤسسات الاعلام الكبرى. اسرائيل تمشي بثبات وثقة لمشروعها، ومن يستغرب ويستكثر وجود خطط عملية ومؤامرات وتحالفات لاستمرار المشروع الصهيوني في المنطقة، فهذا إما يُصادر عقولنا او يريد ان (يخدرنا) ويتركنا تحت مظلة حسن الظن والنوايا الطيبة، وفي عالم السياسة وإدارة المصالح لا يوجد سوى العمل الدؤوب المنظم لانتزاع المكاسب، حتى لو كانت من فك الأسد. في السياسة ما يفل الحديد الا الحديد! في الاول كانت القاعدة ثم داعش الآن، وكلاهما خرجتا من مكائد السياسة، وليس لهما علاقة بالدين، كما خرجت الصفوية من قبل. الدولة الصفوية كما نعرف أوجدتها الامبراطورية الروسية لتكون شوكة في خاصرة الامبراطورية العثمانية، وقد نجح المشروع، وتأتي داعش الآن ويفرش لها السجاد الأحمر لتقيم دولة الخلافة، وفي قائمة برنامجها طرد المسيحيين من المنطقة، وهذه اكبر خدمة تسديها دولة الخلافة الى الصهاينة في اسرائيل. اذا نحن صدقنا خدعة وكذبة داعش وخرج فينا ومنا من يقول انها نتاج بيئتنا وثقافتنا وتربيتنا، من يعتقد ذلك بسذاجة او بخبث وسوء نية وطوية، فإنه يسدي خدمة عظيمة للمشروع الصهيوني الاسرائيلي، ويضعنا في أولويات المواجهة مع هذا المشروع المدمر للمنطقة وشعوبها، وهو مشروع نراه الآن يجري أمامنا وحلقاته تتسع كل يوم، وكأن هناك من ينادي: من التالي!!.