شركات الاستشارات الإدارية والمالية والمحاسبية وبيوت الخبرة العالمية، بدون شك، لديها رصيد الخبرة والتجربة والقدرة على تشخيص المشاكل واقتراح الحلول، بالذات اذا وجدت العميل الذي يعرف ماذا يريد وعرف كيف يدبر الأمور معها، أي لا تخرج عن اطار عملها وتصبح هي المدير.
طبعا بعض هذه الشركات - خصوصا فروعها العاملة في جميع دول الخليج العربي - تقدم منتجا غير ما يقدم في أوروبا وأمريكا. عبر السنوات الماضية استقر الانطباع لدى العديد من قيادات القطاع الخاص، وحتى العام، في الخليج ان هذه الشركات لا تأتي بجديد، واتضح لدى هؤلاء ان هذه الشركات تأخذ العقود الكبيرة وتحيل العمل عبر عقود باطنية الى باحثين ومستشارين محليين وبأرخص الأجور، لعدم معرفتهم بالشأن المحلي. واتضح لديهم ايضا ان هذه الشركات تقوم بإعادة تدوير الدراسات الاستشارات بين زبائنها، أي (قص ولصق)، والمضحك ان القص لا يتم بصورة ذكية محترفة (زيادة في الاستهتار)، ففي حالات عديدة يظهر في العرض لتقديم الدراسة اسم العميل السابق الذي قدمت له نفس الدراسة. واتضح ايضا ان بيوت الخبرة العالمية وسعت حصتها السوقية وسيطرت على العقود الكبيرة، لأنها أدركت ان الدراسات والأبحاث والاستشارات غالبا تُطلب لأجل تمرير قرارات معينة في الأوقات الأزمات، أو لأجل حسم الصراع بين قيادات ادارية متنازعة، أو لأجل اقتناص فرص تجارية عبر اعتساف المتغيرات حين تشخيص المشكلة واقتراح حلها لدى شركات بعينها لها مصالحها ووكلاؤها، والشركات الموصى بها لحل المشكلة عادة تكون عالمية حتى تسهل الموافقة! في القطاع الخاص الكبير والصغير، الخالص والمختلط بأموال حكومية أو بأموال مساهمين مستقلين، اللجوء الى هذه الشركات أمر متبع وله عوراته ومثالبه، وهؤلاء لهم الحق في ان يديروا شؤونهم كما يحلو لهم، لكن في القطاع العام يظل للناس الحق في ان يتساءلوا عن ظاهرة التوسع في استخدام هذه الشركات وتحويلها الى ذراع للإدارة التنفيذية، عبر إقصاء المسؤولين الحكوميين، وتحويل العمل الى الشركات والمستشارين المتعاونين. لدينا هنا في المملكة، هل هذا الوضع طبيعي؟ وهل الانظمة الحكومية تسمح بالتوسع في استخدام الشركات، بالذات في قضايا رئيسة مثل اعادة الهيكلة؟ هل اللجنة العليا للإصلاح الاداري توافق على مثل هذه الحالات؟ والسؤال الأهم: ماذا عن جامعاتنا ومراكز الأبحاث فيها؟ هل هي غير جديرة وضعيفة؟ وايضاً ماذا عن المؤسسات وبيوت الخبرة المحلية؟ التوسع في اللجوء الى هذه الشركات من قبل القطاع العام يجب ان يكون له (ضوابط موضوعية) حتى نضمن قيام سوق محلية تستوعب الموارد البشرية الوطنية التي أنفقت الدولة الأموال الطائلة عليها. الإنفاق على الدراسات والاستشارات في القطاع العام يخصص لها مبالغ كبيرة في السنوات الاخيرة، وضروري ان يساعد في ايجاد فرص عمل لجيل من المتقاعدين الأكاديميين والعسكريين ورجال الدولة، ومعهم جيل من المحترفين المتخصصين الذين يتقاعدون من منشآت القطاع الخاص وفي سن مبكرة.
كل هؤلاء، السوق الطبيعي الذي يستوعبهم ويعظم فائدتهم في المجتمع هو في توسع فرص العمل في مؤسسات ومراكز الأبحاث والدراسات والاستشارات.
إننا إزاء موضوع مهم يحتاج للحوار الوطني المتجدد.