DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

لغتنا هويتنا

لغتنا هويتنا

لغتنا هويتنا
أخبار متعلقة
 
اللغة بشكل مبسط، نظام له وظيفة وغاية محددتان هما التعبير والتواصل. وكما رأى أفلاطون، فإن الاسم انعكاس وتعبير عن المسمى، وهو مشتق من مكوناته وتركيباته. بمعنى أن الدال باستطاعته محاكاة المدلول والتعبير عنه. ذلك يعني أن علاقة اللغة بالناطقين بها ليست مجرد عرف وعادات وتقاليد، بل علاقة عضوية إذ ان الجمل تعبير غير ساكن، لأنها تعبر عن صورة الأشياء في زمان ومكان محددين، وبالتالي فإن صيغ اللغة هي تعامل مع بيئة محددة بذاتها.  وإذا، فاللغات ليست سابقة على التاريخ، أو صانعة له، بل هي نتاجه. ذلك أن المجتمعات التي تشعر بهوية واحدة تقوم بصياغة لغة خاصة بها، تحقق من خلالها تواصلها، وتمكنها من التعبير عن ذاتها، كي تمارس إبداعاتها وعطاءاتها ولتميز بين هويتها وهويات شعوب الأمم الأخرى.   ولا شك أن نزول القرآن الكريم باللغة العربية، منحها صفة القداسة لدى المسلمين عامة. وأضاف دوراً مركزياً للعرب في نشر رسالة الإسلام لسائر أمم الأرض، ذلك أنه من غير الممكن، خاصة في المراحل الأولى لبروز الدعوة، أن يتم تبليغها بلغة غير تلك التي جاء بها القرآن الكريم. والتبليغ هو مخاطبة للقلب والعقل، ودعوة للإيمان بالواحد الأحد. وأداته الرئيسية هي اللغة، التي لا تشكل مفردات مجردة فحسب، بل هي تعبير عن مستوى ثقافي وحالة اجتماعية، وقيم أخلاقية وروحية للمجتمع الناطق بها. ومن الحقائق التي لا جدال حولها، أن القرآن الكريم جسد تلك الفضائل بأجمل صورها في نصوصه.  وفي سياق علاقة العربية بالإسلام، قال الصحابي الجليل، عبد الله بن عباس، «إذا قرأتم من كتاب الله شيئاً فلم تعرفوه، فاطلبوه في أشعار العرب، فإن الشعر ديوان العرب». أما الشيخ ابن تيمية فقال: «إن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي وجعل رسوله مبلغاً عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به، لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، وصارت معرفته من الدين». أما الشيخ محمد رشيد رضا فيؤكد: «أن معرفة العربية من ضروريات دين الإسلام».   في عصر الأنوار الأوروبي، وبروز الأمم الأوروبية على أسس قومية، اعتبرت اللغة العنصر الرئيس الذي استند عليه تشكل الأمم الحديثة. وأصر المفكرون الأوروبيون على اعتبار عوامل الجغرافيا والتاريخ والثقافة عناصر ملحقة تحيل على الناطقين باللغات الحديثة التي شكلت أمم أوروبا، وليست عناصر مستقلة عنها.   حين احتل الفرنسيون الجزائر، عملوا على طمس هويته الوطنية، من خلال التعرض لعنصري مقاومته، الدين واللغة. لقد أدركوا استحالة ترويض الشعب الجزائري وإخضاعه، ما لم يتخلّ الشعب عن هويته الوطنية. وقد عملوا على محاربة الدين الإسلامي واللغة العربية في آن معا. وكان للدين الحنيف الدور الأساس في حماية اللغة العربية من الانقراض. وبقوة عمق حضورهما معاً في قلوب وعقول الجزائريين تمكن هذا الشعب من إشعال ثورته وإلحاق الهزيمة بالفرنسيين.   ما يحرض على طرح هذه المقدمة الطويلة، هو الوضع المأساوي الذي تعيشه لغتنا الجميلة. فبالكاد لا تجد إلا نسبة ضئيلة من المثقفين تتقن اللغة العربية قولاً وكتابة. وقد بلغت عدوى التخريب لهذه اللغة القنوات التلفزيونية، حيث يجري استخدام اللهجات المحلية في كثير من القنوات العربية، بديلاً عن الفصحى.   أما الذين يلقون خطاباتهم بالفصحى، فأخطاؤهم لا تحصى. فهذا مرشح للرئاسة يتعمد رفع المجرور من باب التفخيم، ونصب الفاعل، من باب التواضع. هذا عدا تعمد كثير من المثقفين الخلط بين العربية واللغات الأجنبية اعتماداً على الموروث الاستعماري. فالمناطق التي استعمرها الفرنسيون يخلط مثقفوها بين الفرنسية والعربية. وحيث استعمر الإنجليز تجد المثقفين يبرزون مهاراتهم في الخلط بين العربية والانجليزية. وفي بعض المناطق تتداخل الفرنسية والانجليزية والعربية، في خليط ناشز، ولكنه محبب للأسف لكثير من مثقفينا. وتبلغ الصورة الكاريكاتورية المزرية قمتها، عند بعض خطباء المساجد، ومن ضمنها خطب الجمعة، حيث يصل الأمر، في بيوت الله حد الخلط المتعمد بين العامية والفصحى، أما الأخطاء اللغوية فحدث ولا حرج. أو لم يحن الوقت بعد لتقييم ما جرى، ومعرفة أسبابه لنعيد الاعتبار مجددا للغتنا، وليعود للعربية ألقها وبهاؤها، ولتستمر اللغة العربية كما كانت دائماً عنوان هويتنا الجامعة.