يُحكى أن رجلاً ابتلاه الله بالعمى وقطع اليدين والرجلين، فدخل عليه أحد الناس فوجده يشكر الله على نعمه، ويقول: (الحمد لله الذي عافاني مما ابتليت به غيري، وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً)، فتعجّب الرجل من قول هذا الأعمى المشلول، وسأله عن أيّ شيء تحمد الله وتشكره؟ فقال له: (يا هذا.. أشكر الله أن وهبني لسانًا ذاكرًا وقلبًا خاشعًا وبدنًا على البلاء صابرًا)، وفي المقابل تجد أحدنا يتذمر ويتأفف من حياته بسبب نواقص وعوارض لا تقارن بما عليه صاحبنا الأعمى المشلول، ومرجع هذا كله الخلل في ثقافة الشكر، وزاوية النظر للآلاء والنعم، فهذا الأعمى نظر للنعم والآلاء التي أنعم الله عليه بها، أما نحن فننسى النعم الموجودة لأننا ننتظر النعم المفقودة،الشكر والامتنان لله ثقافة عملية تنطلق من القلب وتعبر اللسان لتؤثر في الجوارحولا نفكر بآلاء الله علينا لأننا أغرقنا قلوبنا في بحار النعم المنتظرة، وهنيئاً لمن كان قلبه كقلب هذا الأعمى الذي يشكر الله على توفيقه في الصبر، فهو يفقه الإيمان بالقضاء والقدر، ويعيش رحلة روحية مميزة يستلذ فيها بالنعم الموجودة، ومنها نعمة الصبر على الابتلاء، وهو يدرك جيدا كلام عمر بن عبدالعزيز عندما قال: (والرضا بقضاء الله شكر)، فنزول المصائب هي فرصة سانحة للإنسان أن يجدد علاقة الامتنان والحمد مع الله، ونبينا عليه السلام يقول: (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟، فيقولون: نعم، فيقول سبحانه لملائكته: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول سبحانه: ماذا قال عبدي؟، فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله جل جلاله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمّوه بيت الحمد).
علينا مراجعة الحبل بين قلوبنا وبين السماء، فحبال الحمد والشكر على الآلاء والنعم أكثرها مقطوع، ولذلك قال ربنا في القرآن: (وقليل من عبادي الشكور)، وهذه العلاقة القلبية تبنى روعتها بجمال الخضوع، وبكمال الذل، وبرقي المحبة لله، فالقلوب الشاكرة تمد حبالها للسماء من قواعد: (الخضوع والذل والمحبة)، وبدونها لن تكتمل رحلة الحبال الشاكرة إلى السماء.
اللسان الشاكر هو لسان ذاكر، ويردد دائماً هذه الآلاء والنعم بحروف الشكر والامتنان لله، ولذلك تجد أن نبينا الشاكر محمد - عليه الصلاة والسلام - يقول: (إن الله ليَرضى عن العبد أن يأكل الأَكلة فيَحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها)، والله ينتظر منّا الألسن المعترفة بنعمه وآلائه، الشاكرة لفضله وإحسانه.
الشكر والامتنان لله ثقافة عملية تنطلق من القلب وتعبر اللسان لتؤثر في الجوارح، ولذلك نقرأ في الكتاب الكريم: (اعملوا آل داود شكراً)، فمراقبة الله في جوارحنا هي امتداد لعلاقتنا مع الشكر.
الحمد لله على آلائه..