من الأشياء التي تنفع الناس على المدى البعيد.. وجاءت في قائمة القضايا الأساسية البارزة في مسيرة خادم الحرمين الشريفين هي اهتمامه بموضوع مكافحة الفساد وتطوير اعتبارات النزاهة وتعزيز قيم الشفافية والإفصاح في المجتمع، فهذه نقلة أساسية في آليات الحكم والإدارة أثرها الكبير بدأنا نلمسه الآن وسوف يتعاظم في السنوات القادمة.
هذه الآليات كانت موجودة من قبل، ومتمثلة في هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة الادعاء العام والمباحث الإدارية وديوان المراقبة العامة، وكانت تقوم بمراقبة وتطبيق معايير الأداء بما يكفل تجنب الفساد وتحقيق النزاهة، لكن خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- رأى ضرورة وجود هيئة مستقلة لها صفتها الاعتبارية ولها إمكاناتها، وهي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، فخرجت الاستراتيجية الوطنية، ومن ضمن آلياتها إقامة الهيئة لتكريس مبدأ تعزيز الشفافية والنزاهة وتنظيمها، هذه من النقلات الأساسية العديدة التي تبناها خادم الحرمين الشريفين وهي ضرورية لاعتبارين: الاول سياسي وهو مواكبة المملكة للاتجاه الدولي الساعي لتعزيز قيم وآليات الشفافية والإفصاح في أداء القطاع العام وحتى الخاص، والأزمة المالية الكبرى التي حدثت في أوروبا وأمريكا مصدرها الأساسي فساد القطاع المالي الخاص، ولم تأت من المؤسسات الحكومية. لذا إطلاق مبدأ تعزيز قيم الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد هو قيمة اخلاقية أساسية في المجتمع تبناها الملك عبدالله بن عبدالعزيز ووضع لها الآليات التي تضمنها.
وهذا مهم لأنه يثري البنية الأساسية للمجتمع عندما يضع قضايا النزاهة والشفافية بين القضايا التي يبدأ يتدرب عليها الأطفال من الآن لتصبح جزءا من بنائه المعرفي وجزءا من النظام السلوكي في حياته ومكونا رئيسا لاتجاهاته الإيجابية، فإدخال هذا المبدأ ووضعه في إطار اعتباري وتخصيص مؤسسة ترعاه نظاميًا وبنائيًا هو قيمة أساسية لبناء الثقافة الاجتماعية التي تنزع لمحاربة الفساد من قاع المجتمع، وهذا ما تحتاجه المملكة على المدى البعيد.
الاعتبار الثاني لتعزيز مبدأ النزاهة هو الاعتبار الفني، فقضايا التنمية توسعت وتعقدت، وأداء الجهاز الحكومي توسع وكبر، وإجراءات الصرف وتحصيل الإيرادات توسعت وكبرت، وهذا يبرر وجود جهاز يتبنى تطوير الأنظمة وتدريب الكفاءات ومراجعة الآليات المتخذة لدى الأجهزة الحكومية بما يكفل النزاهة، وهذا الجانب مهم جدًا، لأن التنمية تتوسع والإنفاق الحكومي وصل الألف مليار.
الإنفاق الضخم وتعدد منافذ الصرف والإيرادات يتطلبان وجود مؤسسات تساعد الأجهزة الحكومية على بناء منظومة القوانين والآليات التنفيذية التي تضمن عدم وجود فساد في أداء الجهاز الحكومي أو أداء مؤسسات القطاع الخاص الكبيرة، فهذه من النقلات الأساسية في مسيرة خادم الحرمين الشريفين فيما يخص الشأن المحلي.
هذه الإنجازات نتذكرها ونفرح بها الآن في الذكرى التاسعة لبيعة الملك عبدالله، وهي مما يفرح ومما ينفع الناس.